من هم اصحاب الرس ؟
وردت مفردة ( الرس ) مرتين في
القرآن الكريم، كما في قوله تعالى :
(وَعَادًا وَثَمُودَ
وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا) سورة الفرقان/ ٣٨
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ
نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ) سورة ق/ ١٢
فما المقصود
بالرس؟ ومن هم اصحاب الرس؟
ورد في المصادر اللغوية حول معنى
كلمة الرس ما يلي:
في تاج العروس: ذكر ان " الرَّسُّ هو ابْتِدَاءُ الشَّيْءِ ومنه رَسُّ الحُمَّى
ورَسِيسُهَا عن أَبي عُبَيْدٍ قال هو بَدْؤُهَا وأَوَّلُ مَسِّهَا وذلِك إِذا
تَمَطَّى المَحْمُومُ مِن أَجْلِها وفَتَر جِسْمهُ وتَخَثَّر.
وفي التهذيب قال: ان الرَّسُّ هو
ابْتِداءُ الشيءِ، ومنه رَسُّ الحُمَّى (اي الحرارة التي تصيب الانسان) او
بدايتها قبل ان تأخذه وتظهر عليه، كما ان معنى الرس كذلك هو البِئْرُ
المَطْوِيَّةُ بالحِجارةِ.
وقال الفَرَّاءُ وهو من اعلام
اللغة: أَخَذَتْه الحُمَّى بِرَسٍّ إِذا ثَبَتَتْ في عِظَامِه، والرَّسُّ ايضا
هو البِئْرُ المَطْوِيَّةُ بالحِجَارَةِ، وقيل ان الرس هي البئر القَدِيمَةُ
سواءٌ طُوِيَتْ بالحجارة أَم لا، والجَمْعُ : رِسَاسٌ .
أمّا من هم
هؤلاء القوم الذين وصفهم القران بأصحاب الرس؟
اختلف المفسرون في تحديد هوية
أصحاب الرس، ولكنهم اتفقوا على أن الرس بئر عظيمة أو حفرة كبيرة، فقد جاء عنها
في بعض التفاسير ما يلي:
عن تفسير أبي السعود قال:
أصحاب الرس هم قومٌ يعبدون الأصنامَ فبعثَ الله تعالى إليهم نبيا فكذَّبُوه
فبينما هم حَولَ الرَّسِّ وهي البِئرُ التي لم تُطْوَ بعد إذِ انهارتُ فخُسف
بهم وبديارِهم،
وقيل ايضا ان الرَّسُّ قرية بفَلْجِ اليمامةِ كان فيها بقايا ثمودَ فبَعث إليهم
نبيٌّ فقتلوه فهلكوا،
وقيل هم أصحابُ حنظلةَ بنِ صفوانَ
النبيِّ (عليه السَّلامُ) ابتلاهم الله تعالى بطيرٍ عظيمٍ وسمَّوها عنقاءَ
لطولِ عُنقِها وكانت تسكنُ جبلَهم فتنقضُّ على صبيانِهم فتخطفُهم إنْ أعوزها
الصَّيدُ فدعا عليها حنظلةُ (عليه السلام) فأصابتْها الصَّاعقةُ، ثم إنَّهم
قتلُوه بعد ذلك فاهلكهم الله.
وقيل عنهم انهم قومٌ كذَّبُوا
رسولَهم فرسُّوه أي دسُّوه في بئرٍ .
وقال الزمخشري في الكشاف :
قيل: في أصحاب الرس انهم كانوا قوماً من عبدة الأصنام أصحاب آبار ومواش، فبعث
الله إليهم نبيا فدعاهم إلى الإسلام، فتمادوا في طغيانهم وفي إيذائه، فبينما هم
حول الرس وهو البئر غير المطوية، انهارت بهم فخسف بهم وبديارهم .
وقيل : الرس قرية بفلج اليمامة،
قتلوا نبيهم فهلكوا، وهم بقية ثمود قوم صالح
وذكر الطبرسي في مجمع البيان، والفخر الرازي في التّفسير الكبير، والآلوسي في
روح المعاني جملة الاحتمالات منها: أنّهم كانوا قوم يعيشون في أنطاكية الشام،
وكان نبيهم «حبيب النجار» فلما قتلوه انزل الله بهم العقوبة.
اما العلامة الطباطبائي فقد ذكر في
الميزان، وكذلك الشيخ مكارم الشيرازي في الأمثل رواية من عيون أخبار الرضا في
حديث طويل حول «أصحاب الرس» خلاصته:
«إنّهم كانوا قومًا يعبدون شجرة
صنوبر يقال لها (شاه درخت) كان يافث بن نوح غرسها بعد الطوفان على حافة عين
يقال لها (روشن آب)، وكان لهم إثنتا عشرة قرية معمورة على شاطئ نهر يقال له
«الرسّ»،
وقد غرسوا في كل قرية منها من طلع تلك الصنوبرة حبّة أجروا عليها نهرًا من
العين التي عند الصنوبرة، وحرّموا شرب مائها على أنفسهم وأنعامهم، ومن شرب منه
قتلوه، ويقولون: إنّه حياة الآلهة فلا ينبغي لأحد أن ينقص حياتها. وقد جعلوا في
كل شهر من السنة يومًا يحتفلون به في كل قرية وجعلوه عيدًا لهم فيخرجون فيه إلى
الصنوبرة التي خارج القرية ويقربون إليها القرابين ويذبحون الذبائح ثمّ
يحرقونها بالنار ويسجدون للشجرة عند ارتفاع دخان النار وسطوعه في السماء ويبكون
ويتضرعون، وكان هذا دأبهم في القرى حتى إذا كان يوم عيد قريتهم العظمى التي كان
يسكنها ملكهم واسمها (أسفندار) اجتمع إليها أهل القرى جميعًا وعيّدوا اثني عشر
يومًا، وجاءوا بأكثر ما يستطيعونه من القرابين والعبادات للشجرة،
ولما طال منهم الكفر بالله
وعبادة الشجرة، بعث الله إليهم رسولا من بني إسرائيل من ولد يهودا، فدعاهم إلى
عبادة الله وترك الشرك، فلم يؤمنوا، فدعا على الشجرة فيبست، فلما رأوا ذلك
ساءهم، فقال بعضهم: إنّ هذا الرجل سحر آلهتنا، وقال آخرون: إنّ آلهتنا غضبت
علينا بذلك لما رأت هذا الرجل يدعونا إلى الكفر بها فتركناه وشأنه من غير أن
نغضب لآلهتنا، فاجتمعت آراؤهم على قتله فحفروا بئراً عميقاً وألقوه فيها،
وسدّوا فوهتها، فلم يزالوا عليها يسمعون أنينه حتى مات، فأتبعهم الله بعذاب
شديد أهلكهم عن آخرهم».
وقد أشار إلى هذا الرأي الأخير -
شجرة الصنوبر - الفخر الرازي بإيجاز، حيث قال: عن علي عليه السلام؛ أنهم كانوا
قوماً يعبدون شجرة الصنوبر وإنما سموا بأصحاب الرس لأنهم رسوا نبيهم في الأرض.
والحمد لله رب العالمين