لماذا خلق الله الانسان ؟
كثيرا ما يدور في خلد بعض المؤمنين
السبب في خلق الانسان في الدنيا ولم لم يخلقه الله في الجنة مباشرة مادام الله
ارحم الراحمين وهو غني عنه وعن عبادته، ولكي نعرف السبب في ذلك لابد من الرجوع
الى كتاب الله اولا والى احاديث حججه المعصومين لمعرفة ذلك ، قال الله تعالى في
كتابه الكريم:
[وَمَا خَلَقتُ الْجِنَّ
وَالْإِنسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا
أُرِيدُ أَن يُطعِمُونِ، إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ
المَتِينُ ]
في هذه الآية اخبار
من الله تعالى أنه لم يخلق الجن والانس إلا لعبادته، فما هو المقصود بعبادة
الله ؟ وما هو غرض الله او هدفه من العبادة ؟
ان الملاحظ لنهاية
الآية يجد ان الغرض من العبادة لا يتعلق بمنفعة لله سبحانه، فهو لا يحتاج الى
شيء من خلقه، فهو (ذو القوة) اي صاحب القدرة، وهو (المتين) اي انه القوي الذي
يستحيل عليه العجز والضعف، فقدرته لا تعتمد على قدرة غيره، بل هو قادر لنفسه
بنفسه اذ هو الخالق والمدبر والرازق وهو على كل شيء قدير، فالمخلوق هو الذي
يصيبه الضعف والعجز وتعالى الله عن ذلك وهو الذي يختلف عن كل ما خلقه من خلقه
وهو القائل عن ذاته: (ليس كمثله شيء)، وانما الخلق هو جزء من رحمته
وفضله ويتعلق بمنفعة الانسان ذاته، وهو ما يجعل السؤال بصيغة اخرى ما هو النفع
الذي يعود على الانسان بعبادة الله تعالى؟
وبالعودة الى كتاب
الله لمعرفة السبب من الخلق للإنسان نجد ان القرآن يصرّح بعلّة الخلق في قوله
تعالى:
[الَّذِي خَلَقَ
المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ]
حيث يتضح من ذلك عدة
امور:
١-
ان خلق الانسان في الدنيا (بعد خلق ادم وحواء ع) انما هو لأجل اختباره لتحديد
موقعه ودرجته في الاخرة، وذلك لاشتمال خلق الانسان على الخصائص المتعارضة في
ذاته، وهي تلك الخصائص التي قال الله عنها في كتابه: ﴿ونفس وما سواها،
فالهمها فجورها وتقواها﴾، اي ان الانسان يجمع بين شيئين متضادين، بين صفة
الخير وصفة الشر، ولذا لا يمكن ان يدخل الجنة بما هو عليه من الحال ولا يمكن ان
يدخل النار كذلك، فان ذلك سيكون خلاف العدل الالهي، فان ادخل عموم الانسان في
النار (لاشتماله على صفات العصيان والطغيان والفجور) فان هذا سيكون ظلما
للأنبياء والاولياء والابرار، وان ادخل عموم الانسان في الجنة (لاشتماله على
مقومات الطاعة لله) فان هذا سيكون عطاء بلا استحقاق للظالمين والمستبدين
والطغاة الذين ستبقى صفاتهم العدوانية حتى في الجنة، وهو خلاف ما اريد من الجنة
ان تكون محلا للأبرار والاخيار خالية من الاذى والعدوان،
ولذا كان لابد من
تعريض الانسان الى امتحان ليثبت اهليته لدخول الجنة او النار، ومن اجل ذلك خلقت
الدنيا بكل ما فيها لتكون مجالا لامتحان الانسان وايضاح استحقاقه لدخول الجنة
او النار، ومن البديهي أنّ العبادة لها فوائد جانبية اذ هي تتضمن منهجا لتربية
الإنسان في الأبعاد الحياتية المختلفة، فالعبادة بمعناها الشمولي هي التسليم
لأمر الله ونهيه فهي تكسب الإنسان تكاملا في الحياة في فكره وعمله ليجزى وفق
ذلك في اخرته، ولكن الاساس في الامتحان هو من اجل تحديد اهلية الانسان للجنة او
النار.
٢-
من لطف الله وحكمته انه لم يفرض على الانسان السلوك القهري الذي يقوده الى
الجنة او النار، وانما ترك ذلك للفرد ليقوم بنفسه في اختيار عاقبته، فجعل
سبحانه حرية الإِرادة أساسا في الاختيار، ولهذا فقد أكّدت آيات الكتاب على أنّه
لو شاء الله أن يهدي الناس بإِجباره لهم جميعاً لسلوك طريق معين لفعل كما في
قوله: (وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) ، لكنّه لم يشأ ذلك لان
هذا خلاف غرض الامتحان لعباده.
٣-
ان موضوع الاختبار للإنسان في الدنيا كما بينته الآية (وَمَا خَلَقتُ
الْجِنَّ وَالْإِنسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ )، ،هو مقدار الطاعة لله سبحانه
(او عبادته) فيما أمر به العباد، ويتجلى ذلك في امرين:
الاول : في الايمان بكتبه
التي ارسلها لخلقه والعمل بمضمونها،
والثاني :
في الطاعة لأنبيائه ورسله الذين ارسل معهم كتبه ومن معهم من الحجج المعصومين
المكلفين بحفظ الشريعة، ولذا اوضح جلّيا في كتابه الرجوع اليه في كل الاختلافات
فقال: ﴿وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه الى الله﴾، اي ان المرجع في حل
الاختلافات بين البشر هو الانصياع لأمر الله وهو ما اوضحه في كتبه وما تحدثت به
رسله المعبرين عن دينه كما في قوله تعالى: (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ
أَطَاعَ اللهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا).
٤-
يتضح من ذلك ان حجج الله المعصومين بعد النبي (ص) اصبحوا ايضا مادة لامتحان
الناس في مدى امتثالهم لأمر الله، فعن الامام الحسين ع قال: أيها الناس ان
الله، عزّ وجلّ ذكره، ما خلق العباد الا ليعرفوه، فاذا عرفوه عبدوه، فاذا عبدوه
استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه، فقيل له: فما معرفة الله؟
فقال: معرفة أهل كل زمان امامهم الذى تجب عليهم طاعته (اي ان معرفة حكم الله
تتجلى بطاعة اوليائه المعصومين المفسرين لكتابه والناطقين بدينه).
ه -
فيما
يتعلق بالله سبحانه من التعريف به، والهداية الى طاعته، وتعريف الطريق اليه،
ووضع العلامات للاتجاه في الطريق الصحيح، والتنبيه على ما ينبغي الحذر منه،
وتعيين القيادة للمسيرة البشـرية فقد تكفل الله بذلك بقوله: (إِنّ علينا
للهدى)، وبقوله أيضاً: (إِنّما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر)،
(إِنّا هديناه السبيل إِمّا شاكراً وإِمّا كفوراً) اذ ان ذلك جزء من
الامتحان.
٦ـ
اوضح الله سبحانه بعد قوله (ما اريد منهم من رزق) في نهاية الآية ان
العاقبة المطلوبة من الانسان هو الترقي في التقوى فقال: (والعاقبة للتقوى)
فإنّ ما يبقى ويفيد في نهاية الحياة هو التقوى، فالمتّقون هم الفائزون، أمّا
الذين لا تقوى لهم فهم محكومون بالفشل والخيبة، وهو ما اشار اليه سبحانه في
سورة الحج بقوله: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم)
فليس ظاهر الأعمال وقشورها هو الذي يوصل الانسان إلى مقام القرب من الله، بل
إنّ الواقع والإخلاص والباطن هو الذي يفتح الطريق إلى مقام القرب منه.
٧ -
ان الامتحان في الفترة المعاصرة التي تسبق قيام الحجة المكلف بتحقيق الوعد
الالهي كما في قوله تعالى: ﴿ونريد ان نمن على الذين استضعفوا ونجعلهم ائمة
ونجعلهم الوارثين﴾، وفي قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا
اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ
الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ، وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا،
يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، انما هي فترة استثنائية في تاريخ ارسال
انبياء الله والحجج المعصومين اذ ان المهمة العالمية لحجة الله المهدي المنتظر
تبين هو أن الهدف النهائي من قيادة الامام المعصوم هو اقامة الحكومة الالهية
العادلة التي ينتشر فيها الحقّ والأمن والاطمئنان، والعبودية لله وتوحيده،
والحياة الصالحة التي وعد الله بها عباده وهي في فترة استثنائية في الامتحان،
لأنه سيكون الحجة مفقودا او مجهولا بعيانه، ولكنه موجودا بشخصه واثاره التي هي
جزء من ارادة الله وتدبيره للأمور والتي تسبق قيام حجته ثم قيام الساعة من
بعده.
٨ -
نحن مدعوين في هذه الفترة الى الانتظار الايجابي لظهور الامام وقيامه بدوره
المعهود اليه من الله، والانتظار الايجابي يعني الاستعداد لاستقبال الامام بما
يريده الله منا كمن يتهيأ لاستقبال حبيبا له ويعد العدة لذلك وهو ما يستوجب
الالتزام بما امرنا الله به في الكتاب وما تركه الائمة السابقين من المواعظ
والحكم والحمد لله رب العالمين
🌿مع اطيب التحيات من🌿
نبيل شعبان