من هم قوم تبع ؟

 

   قوم تبع المذكورون في الآية: (وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ)

   تقدم في الموضوع السابق ان الايكة : هي الاشجار الكثيرة المتشابكة مع بعضها او الملتفة اغصانها، واصحاب الايكة : هم قوم شعيب الذين عاشوا في بلدة مليئة بالماء والاشجار بين الحجاز والشام وكانت حياتهم مرفهة ثرية فأصيبوا بالغرور والغفلة، فادى ذلك الى الاحتكار والفساد في الارض، وقـد دعـاهم شعيب (عليه السلام ) الى التوحيد ونهج طريق الحق مع تحذيره المكرر لهم من عاقبة اعمالهم السيئة فيما لو استمروا على الحال التي هم عليها، فلما لم ينصاعوا للحق ولم ينصتوا لدعوة نبيهم شعيب جاءهم عذاب اللّه المهلك، حيث اصابهم حر شديد استمر لعدة ايام متصلة، وفي اليوم الاخير ظهرت سحابة في السماء اجتمعوا في ظلها، ليتفيؤوا من حر ذلك اليوم فنزلت عليهم صاعقة مهلكة فأهلكتهم عن اخرهم وذلك جزاء لكفرهم واستبدالهم نعمة الشكر لله بالجحود والعصيان والكفر ولتبقى اثارهم لحظات اعتبار لما حل بهم دمار، فما القصص التي يذكرها الله في كتابه الا لتكون عبرة للبشر في تحقق ارادة الله وما نزلت به كتبه وتحدثت به انبيائه [ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ ، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ، فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (اي تخسير)] ،

   اما قوم تبّع الذين ذكرهم الله في القران فهم القوم الذين كانوا يسكنون اليمن وتبّع هو اسم يطلق على من ملك اليمن، قال في التحرير والتنوير: تبّع لقب لمن يملك جميع بلاد اليمن حمير وسبأ وحضرموت، فلا يطلق على الملك او الحاكم لقب تبّع إلا إذا ملك هذه المواطن الثلاثة، وقد سموه تبّعا باسم الظل لأنه يتبع الشمس كما يتبع الظل الشمس، ومعنى ذلك: أنه يسير بغزواته إلى كل مكان تطلع عليه الشمس، كما قال تعالى في ذي القرنين:(فَأَتْبَعَ سَبَبًا، حَتَّىٰ إِذَابَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ )،

   وقد ذكر ان سبب تسميته تبّع لأنه ملوك اجزاء اليمن تتبعه، وقيل بان تبع المذكور في القران كان اسمه اسعد وقد عظم سلطانه وغزا بلاد العرب ودخل مكة ويثرب وبلغ العراق، وقيل إنه الذي بنى مدينة الحيرة في العراق، وكانت دولة تبّع في سنة ألف قبل البعثة المحمدية، وقيل كان في حدود السبعمائة عام قبل بعثة النبي صلى الله عليه واله وسلم، وقال القرطبي عنه انه قد اختلف فيه هل انه كان نبيا أو ملكا؟ فقال ابن عباس: كان تبّع نبيا، وقال كعب: كان تبع ملكا من الملوك، وكان قومه كهانا،

   أما كيف تم هلاك قومه؟ فقد ذكر القرآن أن الله أهلكهم ولم يذكر كيفية إهلاكهم، وقد ذكر بعض المفسرين أن إهلاكهم كان بسيل العرم المذكور في سورة سبأ، قال ابن كثير: قوم تبّع، وهم سبأ، حيث أهلكهم الله عز وجل وخرب بلادهم وشردهم وفرقهم شذر مذر، كما تقدم ذلك في سورة سبأ، وقال في التحرير والتنوير: بعد أن ضرب لهم المثل بمهلك قوم فرعون زادهم مثلا آخر هو أقرب إلى اعتبارهم به وهو مهلك قوم أقرب إلى بلادهم من قوم فرعون وأولئك قوم تبّع، فإن العرب يتسامعون بعظمة ملك تبّع وقومه أهل اليمن، وكثير من العرب شاهدوا آثار قوتهم وعظمتهم في مراحل أسفارهم وتحادثوا بما أصابهم من الهلاك بسيل العرم.

    اما ما ذكر في تفسير الامثل فهو ما يلي: المراد من "قوم تبّع" طائفة من أهل اليمن، لأنّ "تبّع" لقب لملوك اليمن، باعتبار أنّ هؤلاء القوم يتبعون ملوكهم، وظاهر تعبير القرآن هنا هو ملك مخصوص من ملوك اليمن إسمه (أسعد أبو كرب) كما نصّت عليه بعض الرّوايات، ويعتقد جماعة من المفسّرين بأنّه كان رجلا صالحاً مؤمناً يدعو قومه إلى اتّباع الأنبياء، إلاّ أنّهم خالفوه، ثمّ إنّ الآية أشارت إلى جميع من ذكرتهم من الأقوام الثمانية فقالت: (كلٌّ كذّب الرسل فحقّ وعيد)، وما نراه في النصّ من أنّ جميع هؤلاء كذّبوا الرسل، والحال أنّ كلّ قوم كذّبوا رسولهم فحسب، الا ان الفعل الصادر منهم جميعاً هو (التكذيب) للأنبياء جميعاً وإن كان كلّ قوم قد كذّبوا نبيّهم وحده في زمانهم، وذلك لأنّ تكذيب أحد النّبيين والرسل يعدّ تكذيباً لجميع الرسل، لأنّ محتوى دعوتهم سواء،

  وعلى كلّ حال فإنّ هؤلاء الاُمم كذّبوا أنبياءهم وكذّبوا مسألة المعاد والتوحيد أيضاً، وكانت عاقبة أمرهم نُكراً ووبالا عليهم، فمنهم من اُبتلي بالطوفان، ومنهم من أخذته الصاعقة، ومنهم من غرق بالنيل، ومنهم من خُسفت به الأرض أو غير ذلك، وأخيراً فإنّهم ذاقوا ثمرة تكذيبهم بالهلاك، وفي الآية بيان لرسول الله بأنّه لو واصل هؤلاء تكذيبهم لك فلن يكونوا أحسن حالا من السابقين،

والحمد لله رب العالمين

الشيخ نبيل شعبان

 

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com