من هم أصحاب الأخدود في القرآن الكريم؟
ذكر
الله عَزَّ وجَلَّ أصحاب الأخدود وأشار إلى قصتهم بإيجاز وقبّح فعلتهم النكراء
فقال:
﴿قُتِلَ
أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا
قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ *وَمَا
نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾
والأخدود جمع خَدْ، وَالْخَدُّ
هُوَ الشَّقُّ، يُقَالُ: خَدَدْتُ الْأَرْضَ خَدّاً أَيْ شَقَقْتُهَا، والخد شق
في الأرض كالخندق.
وأما أصحاب الأخدود الذين ذمَّهم الله في القرآن الكريم فقد ورد ذكرهم في
التفاسير بانهم الملك الحميري (ذو نواس) آخر ملوك حمير باليمن وجماعته، وعُرفوا
بأصحاب الأخدود لأنهم شقوا خندقاً مستطيلاً في الأرض ثم أضرموا النار في ذلك
الخندق، ثم أحضروا المؤمنين بالله من نصارى نجران وطلبوا منهم ترك ديانتهم
والدخول في الديانة اليهودية المنحرفة التي كان عليها الملك، وكان مصير من يرفض
أن يُلقى في النار وهو حي، أما أصحاب الأخدود فكانوا يتلذذون من تعذيب أولئك
المؤمنين المستضعفين الذين لم يكن لهم ذنب سوى الإيمان بالله.
جاء في تفسير القمي عن
الآية: ( قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ ) قال :كان ذلك على عهد ذو
النواس وهو آخِرُ مَنْ مَلَكَ مِنْ حِمْيَرٍ، تَهَوَّدَ وَاجْتَمَعَتْ مَعَهُ
حِمْيَرٌ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ، وَسَمَّى نَفْسَهُ يُوسُفَ وَأَقَامَ عَلَى
ذَلِكَ حِيناً مِنَ الدَّهْرِ، ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّ بِنَجْرَانَ قوما هم على
دِينِ عِيسَى ع وَعَلَى حُكْمِ الْإِنْجِيلِ، فَسَارَ حَتَّى قَدِمَ نَجْرَانَ،
فَجَمَعَ مَنْ كَانَ بِهَا عَلَى دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، ثُمَّ عَرَضَ
عَلَيْهِمْ دِينَ الْيَهُودِيَّةِ وَالدُّخُولَ فِيهَا، فَأَبَوْا عَلَيْهِ
وَامْتَنَعُوا مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالدُّخُولِ فِيهَا وَاخْتَارُوا
الْقَتْلَ، فَخَدَّ لَهُمْ خُدُوداً وَجَمَعَ فِيهَا الْحَطَبَ وَأَشْعَلَ
فِيهِ النَّارَ، فَمِنْهُمْ مَنْ أُحْرِقَ بِالنَّارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ
بِالسَّيْفِ، وَمَثَّلَ بِهِمْ كُلَّ مُثْلَةٍ، فَبَلَغَ عَدَدُ مَنْ قُتِلَ
وَأُحْرِقَ بِالنَّارِ عِشْرِينَ أَلْفاً
اما في تفسير الميزان فقد
ذكر:(ان الآية فيها وعيد شديد للذين يفتنون المؤمنين والمؤمنات لإيمانهم بالله
كما كان المشركون من أهل مكة يفعلون ذلك بالذين آمنوا بالنبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) فيعذبونهم ليرجعوا إلى شركهم السابق فمنهم من كان يصبر ولا يرجع بلغ
الأمر ما بلغ، ومنهم من رجع وارتد وهم ضعفاء الإيمان كما يشير إلى ذلك قوله
تعالى: ﴿ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس
كعذاب الله﴾، وقوله تعالى: ﴿ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه
خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه﴾ وقد قدم سبحانه على ذلك
الإشارة إلى قصة أصحاب الأخدود، وفيه تحريض المؤمنين على الصبر في جنب الله
تعالى،)
وَقد أخبر امير المؤمنين علي
بن أبي طالب ع بما سيجري على حُجْر بن عدي وأصحابه الذين قتلهم معاوية بن أبي
سفيان صبراً وشَبَّههم بالمقتولين في قصة أصحاب الأخدود، فَعَنْ عبدُ الله بن
رَزِينٌ الْغَافِقِيُّ أنَّهُ قالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (ع)
يَقُولُ:
[يا أَهْلَ الْعِرَاقِ،
سَيُقْتَلُ مِنْكُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ بِعَذْرَاءَ، مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ
أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ ]،
فَقُتِلَ حُجْرٌ وَ أَصْحَابُهُ .
ولعل من المفيد شرح معنى
الآية في قوله تعالى: (ومنهم من يعبد الله على حرف) اي على تشكك وقلق
وعدم اعتقاد ثابت وقد بنى موقفه على الربح والخسارة والنفع الدنيوي فما دامت
المصلحة والنفع الدنيوي مع المسلمين فهو باق معهم اما اذا تعرضت دنياه للضرر
فهو ليس معهم وهو مع المخالفين من الكفار والمنافقين، هذا وفي قصة اصحاب
الاخدود عبرة للثابتين على الحق والهدى رغم التعرض للمحن والشدائد وبين
المتاجرين بالمظاهر والشعارات الاسلامية والذين وصفهم الله بمن يعبد الله على
حرف.
مع اطيب التحيات
نبيل شعبان