التقوى وآثارها
هل تأملت في آيات التقوى؟ لو تأملت
بها لوجدت راحة الدنيا وسعادة الاخرة، تأمل في هذه الآيات الثلاث فقط وانظر
ماذا قال
الله تعالى عن التقوى:
💠[وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا
يَحتَسِبُ]
اي ان المتقي لا يحتار بالرزق فان
الله يكفيه الرزق من حيث لا يحتسب ويجعل له مخرجا من كل ضيق وشدة، وهو لا يعني
ان المؤمن لا ينبغي ان يعمل ويأتيه رزقه رغدا، فسنن الله للإنسان في الحياة هو
ان يعمل لتحصيل قوته كما في قوله تعالى:[هُوَ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا
مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ]، فلكل مخلوق رزقه المقدّر له وفق
جهده وتقدير الله له، الا ان المراد ان المتقي يفتح الله عليه من ابواب الرزق
مالم يحتسبه، ويدفع عنه المكاره التي قد تفسد دنياه واخرته، فذلك هو وعد الله
للمتقي والى الله تصير الامور
[إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا].
الآية الثانية التي تتحدث عن
التقوى هي قوله تعالى:
💠[وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا].
اي يتحقق له اليسر في الحياة من
دون مشاكل وصعاب، فمن الملاحظ ان بعض الناس يجدون الصعوبة في حياتهم اينما
ساروا وحلّوا، فاذا حصل على عمل كان هذا العمل مشوبا بالعناء والمخاطر، واذا
تزوج كان زواجه بابا للتعاسة والعناء، واذا رزق بأولاد كان ذلك سببا في العناء
والتعب سيما عند وجود علّة فيهم، وهكذا يكون مسير الحياة معه في كل اعماله،
فأينما سار تعترضه المشاكل والصعاب وتكتنفه الهموم، فكيف يجعل الله له يسرا؟
والجواب هو ان يدرك الانسان انه
مخلوق في الدنيا بإرادة الله وليس بإرادته، وان الدنيا جعلها الله دار للابتلاء
والامتحان لتكون عاقبة الانسان الاخروية وفق لعمله في الدنيا، فلابد من
الابتلاء في الدنيا، ولابد من الخضوع لسنن الله فيها، فلو شاء الله لخلق
الانسان في الجنّة ولا يعرّضه للابتلاء الدنيوي، ولو شاء الله لخلقه كالملائكة
الذين لا يعصون الله وهم بأمره يعملون، كما ان انبياء الله وهم اعظم خلقه
وأكملهم وأفضلهم قد خضعوا لسنن الله
[أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا
يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ
اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ]،
فالمراد باليسر ليس كما قد يتصور
البعض انه يعيش الحياة الوادعة الهنيئة التي تكون للمؤمنين في جنان الخلد، ولكن
المراد باليسر هو رعاية الله لعبده من حيث يحتسب او لا يحتسب لتكون له
الطمأنينة في القلب انه بعين الله وحفظه، وهو ما يلقي على الحياة معنى اخر وطعم
يستشعر لذته في روحه وقلبه، فعندما يدعوه ويسأله من فضله ورحمته فانه يجد من
ابواب فضله ما ييسر له امور الدنيا والاخرة، فمن يلاحظ الادعية الواردة في كتاب
الله او عن حججه المعصومين يجد هذا المعنى واضحا كما في الدعاء المروي في البلد
الامين ص٣٤٩ والمنسوب للإمام المهدي وهو :
(اللهم ارزقنا توفيق الطاعة، وبعد المعصية، وصدق النية، وعرفان الحرمة، واكرمنا
بالهدى والاستقامة، وسدد السنتنا بالصواب والحكمة، واملا قلوبنا بالعلم
والمعرفة، وطهر بطوننا من الحرام والشبهة، واكفف ايدينا عن الظلم والسرقة،
واغضض ابصارنا عن الفجور والخيانة، واسدد اسماعنا عن اللغو والغيبة، وتفضل على
علمائنا بالزهد والنصيحة، وعلى المتعلمين بالجهد والرغبة....الى اخر الدعاء)،
او ما ورد من دعاء الامام
زين العابدين في صحيفته السجادية من قوله:(فأيدني
بتوفيقك، وسددني بتسديدك، واعم ابصار قلبي عما خالف محبتك، ولا تجعل لشيء من
جوارحي نفوذا في معصيتك، واجعل همسات قلبي، وحركات اعضائي، ولمحات عيني، ولهجات
لساني، في موجبات ثوابك حتى لا تفوتني حسنة استحق بها جزائك، ولا تبقى لي سيئة
استوجب بها عقابك). فانه يجد معنى تيسير الله وتوفيقه.
الآية الثالثة هي قوله تعالى:
💠[وَمَن يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ
أَجرًا].
اي ان من يتق الله لا تبقي له ذنوب
حيث ينقذه الله من تبعاتها واثارها في الدنيا والاخرة، فلو علم الانسان ما
للذنوب من اثر دنيوي واخروي لاجتنب كل ذنب ومعصية، وهو ما ورد في عدد من الآيات
والروايات التي تبين ذلك كما في قوله تعالى:
[وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ
الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ، أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا
وَهُمْ نَائِمُونَ، أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا
ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ
اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ]. والآيات كثيرة التي تبين نزول
عقاب الله على المخالفين لأمره والتي كانت بسبب ذنوبهم وخاصة ما ورد في سورة
القصص والآيات المتعلقة بعقاب الذنوب.
ولعل من اوضح ما ورد في ذلك هو
حديث امير المؤمنين ع بقوله:
(وَايْمُ اللهِ، مَا كَانَ
قَوْمٌ قَطُّ فِي غَضِّ {اي في ظاهر}
نِعمَة مِنْ عَيش فَزَالَ عَنهُمْ إِلاَّ بِذُنُوب اجتَرَحُوهَا {اي
اكتسبوها}، لاِنَّ
(اللهَ لَيسَ بِظَلاَّم
لِلْعَبِيدِ)، وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ حِينَ تَنزِلُ بِهِمُ النِّقَمُ،
وَتَزُولُ عَنْهُمُ النِّعَمُ، فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِصِدق مِنْ
نِيَّاتِهمْ، وَوَلَه مِنْ قُلُوبِهمْ، لَرَدَّ عَلَيهِمْ كُلَّ شَارِد،
وَأَصلَحَ لَهُمْ كُلَّ فَاسِد).
التالي