الخطبة الزينبية
ورد أنه لما أُدخل علي بن الحسين
والسبايا على يزيد جيء برأس الحسين (عليه السلام)، ووضع بين يديه في طشت فجعل
يزيد يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده وهو يقول:
لـعبت هاشـــم
بالمـلك فــــلا خـبر جـــاء ولا وحــــي نـــزل
ليت أشياخـي
ببـدر شهــدوا جزع الخزرج مــن وقع الأسل
لأهلوا
واستهـلــوا فــــرحـاً ثـم قالـــــوا يـــا
يـــزيد لا تشـل
قد قتلنا
القرِمَ مـن ساداتهـم وعــــدلناه ببــــدر
فــــاعــــتدل
لست من خندف أن
لم أنتقم مـن بنــي أحمد مـا كـان فعـــل
فبينما هو يترنم بأبياته وإذا بصوت
العقيلة زينب يصك مسامعه إذ لم تسمع أحداً يرد على يزيد بن معاوية فقامت وقالت:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين
صدق الله حيث يقول: (ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوأى أن كذبوا بآيات الله
وكانوا بها يستهزءون).
أظننت يا
يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسرى أن
بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة؟ وأن ذلك لعظم خطرك عنده؟ فشمخت بأنفك،
ونظرت في عطفك {وهي من حالات الكبر التي تجعل المتكبر ينظر بطرف
عينه للمتحدث}، جذلان مسروراً، حيث رأيت الدنيا لك
مستوسقة {اي مجتمعة منظمة لما تريد} والأمور متسقة وحين صفاً لك ملكنا
وسلطاننا.
فمهلاً مهلاً، لا تطش جهلا، أنسيت قول الله تعالى: ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا
نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ )،
أمن
العدل يا بن الطلقاء تخديرُك حرائرك وإمائَك {اي سترك لنسائك عن
الناس} وسوقِك بنات رسول الله سبايا! قد هتكت ستورهن
وأبديت وجوههن تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل
والمناقل (اي ينظر اليهن اهل المناهل وهم الذين يردون مواضع المياه
التي تُقصد للشرب حيث كان الناس يجتمعون لمشاهدتهم كالسبايا المساقين الى
الخليفة يزيد) ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والدني
والشريف، ليس معهن من رجالهن ولي، ولا من حماتهن حمي.
وكيف
يرتجى مراقبة ابن من لفظ فوه أكباد الأزكياء {والمراد بذلك جدته هند
زوجة ابو سفيان التي استأجرت من يقتل حمزة ع ثم شقت احشائه واخرجت كبده ولاكتها
انتقاما منه لإيمانه وبطولاته في بدر واحد} ونبت لحمه
بدماء الشهداء؟
وكيف
يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنان {اي من
الطبيعي ان يبغض اهل البيت من نظر اليهم نظرة الكراهية والاشمئزاز}
والأحن والأضغان {اي نظرة الحقد الشديد والحسد}،
ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم:
لأهلوا واستــهلوا فـــــرحا ثــــم قالوا يـــا يزيد لا تشل
منحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة، تنكثها بمخصرتك.
وكيف لا
تقول ذلك؟ وقد نكأت القرحة {اي قشرت القرحة قبل ان تبرأ والمراد
اثارة الجرح القديم من قتل سيد الشهداء وذويه واصحابه}،
واستأصلت الشأفة {اي ازلت القرحة الخشنة بالكي والمراد بذلك قطع
ذرية النبي بقتلهم جميعا بالسيف} بإراقتك دماء ذرية
محمد (صلى الله عليه وآله) ونجوم الأرض من آل عبد المطلب وتهتف بأشياخك زعمت
أنك تناديهم! فلتردن موردهم، ولتودن أنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت
ما فعلت.
اللهم خذ لنا بحقنا، وانتقم ممن ظلمنا، وأحلل غضبك بمن سفك دمائنا، وقتل
حماتنا.
فوالله
ما فريت إلا جلدك {فرى الشيء اي شقه وقطعه كفري بطن الشاة والمراد
ان قتل الامام الحسين ومن معه سيعود على يزيد بالقتل}،
ولا جززت {اي قطعت} إلا لحمك
{اي سيكون بذلك نهايتك}، ولتردن على رسول الله
(صلى الله عليه وآله) بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته
ولحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلم شعثهم، ويأخذ بحقهم.
(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء عند ربهم يرزقون).
وحسبك بالله حاكماً، وبمحمد (صلى الله عليه وآله) خصيماً وبجبرائيل ظهيراً،
وسيعلم من سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلاً، وأيكم شر مكانا
وأضعف جنداً.
ولئن
جرّت على الدواهي مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك وأستعظم تقريعك، وأستكثر توبيخك،
لكن العيون عبرى والصدور حرى {اي مفجوعة حزينة}.
إلا
فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء فهذه الأيدي تنطف
{اي سالت ورشحت} من دمائنا، والأفواه
تتحلب من لحومنا {اي سال ريقها رغبة في قتل اهل البيت}،
وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل
{اي الذئاب}، وتعفرها أمهات الفواعل
{اي تغطيها بالتراب من يفعل ذلك }.
ولئن
اتخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً مغرماً {اي خسارة وعبئا في الدنيا
والاخرة}، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك وما ربك بظلام
للعبيد، وإلى الله المشتكى، وعليه المعول.
فكد
كيدك، واسع سعيك وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك
أمدنا {اي لن تبلغ علو منزلتنا}، ولا ترحض
عنك عارهاً {اي لا يغسل عنك عار ما ارتكبت من قتل ريحانة رسول الله
ومن معه} وهل رأيك إلا فند {اي خرف وهو
الخطأ في القول والرأي}، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا
بدد {اي يفرق الله جمعك وقوتك}، يوم ينادي
المنادي: إلا لعنة الله على الظالمين والحمد لله رب العالمين الذي ختم لأولنا
بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب
ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة إنه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم
الوكيل.
مع اطيب التحيات من
نبيل شعبان