الامام الحسن (ع) :
شجاعة – قيادة – حكمة – سياسة
عندما نطالع سيرة
امامنا الحسن (ع) نجده قد تعرض الى ظلامة كبيرة سواء من قبل اقلام المؤرخين
الذين يتبعون البلاطات الحاكمة أنداك ، او من قبل اقلام المأجورين او حتى من
قبل الفئة التي تتعاطى مع قضاياه و مناقبه .
فسيرته (ع) ظلمت
تاريخيا وظلمت من قبل الكتاب ، اذ لا نجد مؤلفات ناضجة توضح سياسة الامام وتبين
لنا شخصيته ، شخصية القائد الشجاع الحكيم الا القليل ، وحتى اليوم عندما نريد
ان نقرأ عن الامام الحسن فإننا نتعامل معه بالقراءة التقليدية .
ان صلح الامام الحسن
هو اهم ظاهرة سياسية تشكلت في عهده واصبح مقرونا باسمه الشريف واعطى انعكاسات
وابعادا ومواقفا مختلفة من هذا الصلح، فنحاول في بحثنا تسليط الضوء على خلفيات
هذا الصلح والظروف التي تم بها .
خلفيات الصلح
ان المرحلة
التي تولى الامام الحكم كانت مرحلة نهاية حكم ابيه صلوات الله عليه ، حيث ان
الامام علي في حكمه واجه عقبات كثيرة ومعارضات من قبل جملة من الصحابة والبيت
الاموي والخوارج وغيرهم . ولم تنته هذه الاعتداءات لحين استشهاده (ع). وفي هكذا
ظرف ومرحلة تولى الامام الحسن السلطة مرحلة لم تنتهي فيها الخصومة لعلي (ع) .
عند تولي الامام علي
(ع) الحكم قام بمواجهة الانحراف الذي تعرضت له الامة بعد وفاة رسول الله (ص)
فاتخذت صورة المواجهة والتصدي هذه المرة صورة فكرية و عسكرية ، فتجد المواجهة
العسكرية واضحة متمثلة ( في ثلاثة حروب ، الجمل – صفين - النهروان ) وحرب
النهروان هي احدى نتائج حرب صفين وانتهت بانتصار الامام واصحابه .
عاشت الامة في
هذه الفترة حربا ، حرب مواجهة الانحراف، فكانت مواجهة الامام علي واضحة لمعاوية
ورفضه جميع انواع المهادنة معه ، حتى استشهد (ع) .
كان علي (ع)
يحمل مشروعا قبل ان تبايعه الامة وهو مشروع احياء سنة الرسول (ص) واحاديثه في
اهل بيته التي تعرف المسلمين بإمامهم ووظائفهم الالهية الهامة ، وانطلق هذا
المشروع سنة 37 هجرية بعد توليه الحكم وقد آزره اصحابه الاوفياء .
حيث افرزت حركة
الامام هذه في النهاية تيارا شعبيا وقلة من العلماء حملة السنة النبوية المغيبة
لسنوات، وآمنت بعلي (ع) اماما هاديا بعد الرسول (ص)، لقد كان قسما من هؤلاء قد
امنوا به في العهد النبوي اما القسم الاخر فهم اهل البلاد المفتوحة شرقا وبخاصة
الكوفيون الذين شهدوا سيرة علي من نفس علي (ع) ، وصارت الكوفة معقلا يحمل ثقافة
الولاء لعلي واهل بيته . ثم بعد ذلك بايع اهل العراق الامام الحسن (ع) وكانت
تعبيرا عن وفائهم لعلي (ع) وايمانهم بمشروعه وتقبل الحسن (ع) بيعتهم .
كان اهتمام الامام الحسن (ع) ان
يكمل ما بدأه ابوه ، وان ينطلق مشروع الامام علي
في هداية الامة ، لكن كانت هناك عقبتان امام انطلاق المشروع وهما :
1- انشقاق الشام : اذ ان معاوية
احكم قبضته على الشام وعزلها عن بقية الامصار الاسلامية
2- الخوارج : الذين حملوا شعار التكفير لعلي (ع) وتحولوا الى جماعات مخربة
ارهابية .
الصلح
كان المفتاح لانطلاق
مشروع الامام علي (ع) في الشام وغيرها هو الصلح وليس الحرب ، وتكشف الدراسات
المقارنة بين مشروع علي (ع) ومشروع النبوة ، وهي ان مشروع الامام علي في احياء
سنة الرسول (ص) قد احاطته مشكلات هي عين المشكلات التي احاطت بمشروع الرسول (ص)
في احياء دين التوحيد وتبليغ الرسالة الى قريش .
ففي سنة 6 هجرية خرج
الرسول (ص) واصحابه في موسم الحج قاصدا العمرة ولكن قريش صدته عن زيارة البيت
ووقعت معاهدة صلح مشترطة ان يرجع عامه وان يأتي العام القادم .
انجز الرسول هذا الصلح وكان من آثاره هو انفتاح الناس على النبي
(ص) ايام الصلح ودخولهم في الاسلام وارتفع عدد المسلمين من الالف وخمسمائة الى
عشرة الاف خلال سنتين ونصف ثم خرقت قريش الصلح .
كان معاوية
يلعب الدور نفسه الذي لعبته قريش مع الرسول، فقد عزل الشام واهلها عن الدولة
الاسلامية وعن علي (ع) واهل بيته وسيرة الرسول، واظهر معاوية لتلك الشعوب ان
عليا سفك دماء المسلمين وانه افسد دين محمد (ص) وان عثمان قتل مظلوما وان
معاوية يريد السلم وان علي يريد ان يسير مسيرة الشيطان .
امام وضع معتقد
كهذا ومضل فكريا ،لا يكون من الصواب اختيار الحرب بل يكون الصلح في صالح مشروع
احياء سنة الرسول وبخاصة حين يكون قد صبغه الاعلام الاموي بصبغة الافساد ( حركة
الامام الاصلاحية اظهرها معاوية انها افساد ) .
لذلك جاء صلح
الامام الحسن (ع) متضمنا الاطروحة التي يحتاجها مشروع احياء السنة وينطلق الى
مدى يصل الى اهل الشام وبقية الامصار .
مقتبس من كتاب الامام الحسن (ع) في مواجهة الانشقاق الاموي المؤلف السيد سامي
البدري