السيدة نفيسة
السيدة نفيسة (1)
بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع) ، توفيت في
مصر في شهر رمضان سنة ثمان ومائتين ، وأراد زوجها إسحاق المؤتمن ابن الإمام
جعفر الصادق (ع) نقلها إلى المدينة ليدفنها في البقيع ، فسأله المصريون بقاءها
عندهم فدفنت في بيتها في موضع قبرها الآن قاله ابن خلكان والشيخ محمد الصبان
وغيرهما (2).
مرقدها في مصر فوق القاهرة ب (القرافة) عند المشاهد ، وكان الموضع يعرف
قديما ب ( درب السباع ) فخرب الدرب ولم يبق هناك سوى المشهد ، وأول من بني على
قبرها قبة هو عبيد الله بن السري بن الحكم أمير مصر من قبل المأمون العباسي ،
وقد كتب اسمه على رخامة بباب ضريحها واليك نص ما كتب : ( بسم الله الرحمن
الرحيم نصر من الله وفتح قريب لعبد الله ووليه معد
بن تميم الإمام المستنصر بالله أمير
المؤمنين ، أمر بعمارة هذا الباب السيد الأجل أمير الجيوش سيف الإسلام ناصر
الإمام كافل قضاء المسلمين وهادي دعاة المسلمين ، عضد الله به الدين ، وأمتع
بطول بقائه أمير المؤمنين ، وأدام قدرته ، وأعلى كلمته ، وشد عضده بولده الأجل
الأفضل سيف الإسلام وشرف الأنام ، ناصر الدين الجليل أمير المؤمنين زاد الله في
علاه ، ومتع أمير المؤمنين بطول بقاءه ، في شهر ربيع الآخر سنة اثنين وثمانين
وأربعمائة ).(3)
حدثنا بعض أصحابنا بعد ذهابه إلى مصر ووقوفه على المشاهد الشريفة هناك ،
فقال : إن مشهد السيدة نفيسة بنت الحسن عامر مشيد ، له حرم ورواق وعليه قبة ،
رأته مكتظا بالزائرين في احد المواسم الدينية في مصر وللمصريين فيه كمال
العقيدة ، ينذرون إليه النذور ، ويقولون عنده تستجاب الدعوات .
ولدت السيدة نفيسة في مكة ونشأت في المدينة ، وكانت من النساء الجليلات
الصالحات التقيات ، تزوجت إسحاق المؤتمن بن الصادق (ع) ، وانتقلت إلى مصر مع
زوجها المؤتمن فكانت موضع عناية واعتقاد عظيمين للمصريين فيها ، لشرف سيادتها
ونسبها الوضاح ، وقداستها وعبادتها وسماعها العلم ، وهو باق حتى بعد وفاتها
والى اليوم .
وردت في مدحها روايات من طرق العامة : منها إنها كانت تحفظ القران الكريم ،
وتروي الحديث، وان الإمام الشافعي – محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع
بن السائب القرشي – حضر إليها وسمع منها الحديث ، ولما توفي الشافعي بمصر ستة
204 هـ جيء بجنازته إلى دار السيدة وأدخلت عليها في دارها وصلت عليه
(4)
ومنها إن زوجها إسحاق المؤتمن لما أصر على نقلها بعد موتها إلى المدينة ودفنها
بالبقيع سأله أهل مصر في تركها عندهم للتبرك بقبرها ، وبذلوا له مالا كثيرا فلم
يرض فرأى النبي (ص) فقال له : ( يا إسحاق لا تعارض أهل مصر في نفيسة فأن الرحمة
تنزل عليهم ببركتها ) ومنها إنها حفرت قبرها بيدها وصارت تنزل إليه وتصلي فيه ،
وقرأت فيه ستة آلاف ختمة ، وأنها احتضرت وهي صائمة فألزموها الإفطار فقالت :
واعجبا إني منذ ثلاثين سنة اسأل الله تعالى أن ألقاه وأنا صائمة وأفطر الآن هذا
لا يكون ، ثم قرأت سورة الإنعام فلما وصلت إلى قوله : ( لهم دار السلام عند
ربهم )(5)
ماتت رحمة الله عليها حكاه الشيخ محمد الصبان
(6)
والشبلنجي كرامات في صحائف .
ومنه إن الشيخ أبا المواهب الشاذلي رأى النبي (ص) فقال له: ( يا محمد إن
كانت لك إلى الله تعالى حاجة فأنذر لنفيسة الطاهرة ولو بدرهم يقضي الله تعالى
حاجتك ) (7)
وقد اختلف في السيدة نفيسة صاحبة القبر المشهور في ( القرافة ) فالمشهور
والمعروف كما تقدم إنها بنت الحسن بن زيد بن الحسن السبط ، ويرى النسابة الشيخ
البخاري أن التي في مصر هي نفيسة بنت زيد بن الحسن السبط فقال : وكان لزيد بن
الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ابنة يقال لها نفيسة – أمها لبابة بنت عبد الله
بن عباس بن عبد المطلب – كانت تحت العباس بن علي بن أمير المؤمنين (ع) قتل عنها
زوجها يوم الطف مع الحسين (ع) ، وتزوجها الوليد بن عبد الملك بن مروان وأولد
منها أولادا .(8)
وقال ابن عنبة : أنها خرجت إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان فولدت منه
وماتت بمصر ، ولها هناك قبر يزار وهي التي يسميها أهل مصر الست نفيسة ويعظمون
شأنها ويقسمون بها ، وقيل أنها خرجت إلى عبد الملك بن مروان وإنها ماتت حاملا
منه والأصح الأول ...اهـ ، وقيل إن صحابة القبر بمصر هي نفيسة بنت الحسن بن زيد
(9)
وكانت تحت إسحاق ابن جعفر (ع) والأول هو الثابت المروي عن ثقات النسابين
(10)
، روي عن إسحاق المؤتمن الحديث ، وكان له عقب بمصر من غير السيدة نفيسة ، وولدت
السيدة نفيسة منه ولدين القاسم وأم كلثوم ولم يعقبا
(11)
.
وأما الحسن بن زيد بن الحسن السبط (ع) أمه أم ولد يقال لها زجاجة وتلقب برفق
ورقرق أيضا، ولا ذكر لزيد بن الحسن (ع) غير الحسن بن زيد هذا ولا عقب له إلا
منه.
ولي الحسن بن زيد أمرة المدينة للمنصور الدوانيقي مدة خمس سنين وعمل له على غير
المدينة أيضا ، وكان مظاهرا لبني العباس على بني عمه الحسن المثنى ، وهو أول من
لبس السواد من العلويين ، غضب عليه المنصور وعزله وحبسه ببغداد زمنا واستصفى كل
شيء له ، فلم يزل محبوسا حتى مات المنصور بمكة سنة 158هـ وقيل سنة 166هـ قاله
ابن قتيبة ، وولي ابنه المهدي فأخرجه من الحبس ورد عليه كل شيء ذهب له ولم يزل
معه ، ولما حج المهدي كان الحسن بن زبد معه فلما انتهى إلى (حاجر) على خمسة
أميال من المدينة مات الحسن بن زيد ودفن هناك وذلك في ثمان وستين ومائة ، وهو
ابن خمس وثمانين سنة ،وله رواية في سنن النسائي قال الشيخ البخاري النسابة :
انه أدرك المنصور والمهدي والهادي والرشيد ، وقال ابن عنبة : توفي بالحجاز سنة
168هـ عن ابن الخداع النسابة وأدرك زمن الرشيد.
أعقب الحسن بن زيد من سبعة رجال وهم القاسم وهو اكبر أولاده وكان زاهدا عبادا
إلا انه كان مظاهرا لبني العباس على بني عمه الحسن المثنى كأبيه ، وعلي ، وزيد
، وإسحاق ، وإسماعيل وهؤلاء الخمسة معقبون بلا خلاف ، والخلاف في ولده إبراهيم
وهل بقي عقبه ، وفي عبد الله هل أعقب أم لا .
المصدر كتاب مراقد المعارف
الجزء الثاني صفحة 306 - 312
(1)
السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد ولدت بمكة ونشأت بالمدينة قدمت إلى مصر سنة
193هـ - 809 م وأقامت بها إلى أن توفيت سنة 208هـ - 824 م ، حيث دفنت في منزلها
وهو الموضع الذي به قبرها الآن المعروف بمشهد السيدة نفيسة .كانت سيدة صالحة
زاهدة تحفظ القرآن وتفسره ، ويقال إن أول من بنى على قبرها هو عبيد الله بن
السري بن الحكم أمير مصر ، وفي سنة 482هـ - 1098 م أمر الخليفة الفاطمي
المستنصر بالله لتجديد الضريح ، كما أمر الخليفة الحافظ لدين الله في سنة 532هـ
- 1138 م بتجديد القبة ، وفي سنة 714هـ - 1214/15م أمر الناصر محمد بن قلاوون
بإنشاء مسجد بجوار المشهد ، وفي سنة 1173هـ - 1760 م جدد الضريح والمسجد الأمير
عبد الرحمن كتخدا ، وقد اتلف الحريق قسما كبيرا من المسجد في سنة 1310هـ - 1897
م وهو المسجد القائم الآن بالحي المعروف باسمها . (مساجد مصر ) 183:2 .
(2)
( وفيات الأعيان) 57:5 ، (إسعاف الراغبين ) للصبان على (نور الأبصار ) للشبلنجي
: (231 ، ( الكامل في التاريخ ) 207:5 ، ( شذرات الذهب ) 21:2 (نسمة السحر )
للسيد يوسف اليماني مخطوط .
(3)
( نسمة السحر) لليماني مخطوط ، ( وفيات الأعيان ) 75:5 (نور للأبصار) للشبلنجي
: 213 (شذرات الذهب ) لابن العماد 21:2 (طبقات الشعراني ) 66:1 ، ( خطط
المقريزي ) 341:3 (فوات الوفيات) 310:2 (رحلة ابن بطوطة) 21 ، (معجم البلدان )
77:8 ، ( الجدي في النسب ) مخطوط ، ( الدر المنثور ) 21 .
(4)
(وفيات الاعيان ) 57:5 ( الاعلام للزركلي ) 17:9 ، ( حسن المحاضرة ) للسيوطي :
243 ( اسعاف الراغبين ) : 231 ، ( طبقات المناوي ) .
(5)
سورة الانعام ، الابة : 127 .
(6)
( اسعاف الراغبين ) على ( نور الابصار ) : 231 .
(7)
( طبقات الشعراني ) 66:1 ( اسعاف الراغبين ) : 234 .
(8)
( السلسلة العلوية ) ط نجف ص 29 .
(9)
قال السيد يوسف بن يحيى اليماني في ( نسمة السحر ) وهو الصحيح ، ويراه أيضا
الشريف النقيب النسابة شرف الدين أبو علي محمد بن اسعد الجواني وصرح به في(
الروضة الآنية ) وذكره المقريزي في خططه – ( المواعظ والاعتبار ) 341:3 ، وقال
القضاعي في ( انس الزائرين ) المخطوط : ( حفرت السيدة نفيسة قبرها بيدها في
البيت الذي هي به الآن ، لم يختلف فيه احد من أهل التاريخ المشهورين ، وقول من
قال : أنها بالمراغة جهل منه ، وإنما الذي بذلك المكان السيدة نفيسة عمة السيدة
نفيسة المذكورة أخت أبيها الحسن ، فانها دخلت مصر قبلها وماتت ودفنت في هذا
المكان من المراغة بالقرب من باب القرافة مما يلي ( جامع ابن طولون ) انظر(
هامش الاعلام ) للزركلي 17:9 : ( نور الابصار ) 207 .
(10)
(عمدة الطالب ) 9 ط بمبي ص 49 .
(11)
( نور الابصار ) ط مصر : 207 .