وقفة على ضفاف الجود
بقلم /آيات
امتدت ايدي المحتاجون الى الله تعالى فدلهم الجواد العظيم على
بحر جوده فتسابقت الاقدام الى الوصول وتسارعت دقات القلب لبلوغ محل الرحمة
ووقفت طوابير المحتاجين وارتفعت ايدي السائلين ، فكان منى تلك القلوب الوالهة
والصدور المحتجزة بحواجز الهموم والالام ان تصل الى منبع البحر الالهي وتغترف
من قطرات هذا البحر حاجاتها ،فهو معين لا ينضب وعطاء لا ينتهي فكان هذا البحر
هو بحر الجود وهو الامام الجواد خليفة الله تعالى في ارضه وحجته على عباده وضع
الله تعالى فيه خزائن العلم والحكمة فكان كما كان جده رسول الله (صلى الله عليه
وآله ) افصح الخلق لساناً وابلغهم بياناً وافضلهم منزلة واعلاهم مرتبة واشرفهم
مكانة ، وقف العلماء على اعتابه ، تعجز الكلمات عن وصف حلمه وعلمه وتقاه
وشجاعته وكرمه ولطفه وكرم اخلاقه وبلاغته وجوده فعرف بين الامة الاسلامية
بالجواد عليه السلام ) ولقب بهذا اللقب الذي جعل العالم يقصده والحاجات تسير
اليه والقلب يتعلق به وجعل الاذهان تتساءل ما هو الجود وما هو العطاء ما هو
الكرم .
فوجد
العلم هذا الجواب الذي كان اسمه محمد الجواد (عليه السلام ) حيث انه اول امام
يستلم مهام الامامة والخلافة وهو بسن مبكر جداً ، كان عمره الشريف (سبع سنوات )
لم يمنع صغر العمر الامام الجواد (عليه السلام ) من ان ينشر على هذه الارض
البركات ويرتقي بمعاني انسانية الى حجاب النور ويفتح ابواب المعرفة للوافدين
ويذهل الانسانية بأجمعها مما حمله من علوم الهية واخلاق ربانية وانوار محمدية
وهو بعمر سبع سنوات .
زهد في الدنيا ورغب عنها ولا زالت شذرات كلامه (عليه السلام )
تتناقلها الاجيال وتتعظ بمواعظه الرجال ،فهذه شذرة من شذرات كلماته المضيئة
انير بها السطور القليلة لتصبح عكيقة بمعناها فمن اقواله عليه السلام : (كيف
يضيع من الله كافله ، وكيف ينجو من الله طالبه ؟ ومن انقطع الى غير الله وكله
الله اليه ، ومن عمل على غير علم كان ما يفسد اكثر مما يصلح ) ، وقال (عليه
السلام ) : ( القصد الى الله تعالى بالقلوب ابلغ من اتعاب الجوارح بالاعمال ) ،
وقال عليه السلام : ( الثقة بالله ثمن لكل غال ، وسلم الى كل عال ) ، وقال عليه
السلام : (ما هدم الدين مثل البدع ) وقال عليه السلام : (عنوان صحيفة المؤمن
حسن خلقه ) . قد لا تكفينا الصفحات لذكر تلك الكلمات العظيمة التي نطق بها
الامام الجواد عليه السلام واصبحت اثراً في كل نفس تبحث عن الله تعالى وتنظر
الى الارض بمنظار الاصلاح والى العالم بمنظار الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
وتبحث عن قبس النور الذي تتمسك به .
ان الامام الجواد عليه السلام آتاه الله الحكم صبياً وقد
أثارت حداثة سنه عليه السلام استغراب بعض الناس وتشكيكهم ولكن كان الامام
الجواد عليه السلام مناراً في درب الهداة وصوت الحقيقة في آذان العالم فوضح
الامر لهم والروايات كثيرة نقتطف منها : قال الرواي قلت له (لابي جعفر الثاني
عليه السلام ) : انهم يقولون في حداثة سنك . فقال عليه السلام (ان الله اوحى
الى داود ان يستخلف لسليمان وهو صبي يرعى الغنم فأنكر ذلك عبٌاد بني اسرائيل
وعلمائهم فأوحى الله الى داود عليه السلام ان خذ عصي المتكلمين وعصا سليمان
واجعلها في بيت واختم عليها بخواتيم القوم فإذا كان من الغد ,فمن كانت عصاه قد
اورقت واثمرت فهو الخليفة ،فاخبرهم داود عليه السلام فقالوا : قد رضينا وسلمنا
) ان كمال العقل لا يستنكر لحجج الله تعالى مع صغر السن قال تعالى (قالوا كيف
نكلم من كان في المهد صبياً قال اني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً ) .
فخبر عن المسيح عليه السلام بالكلام بالمهد، وقال في قصة يحيى عليه السلام
:(وآتيناه الحكم صبياً) ، وايضاً ان النبي صلى الله عليه واله دعا الامام علي
عليه السلام الى الاسلام وهو صبياً ولم يدع غيره من الصبيان واخذ رسول الله صلى
الله عليه واله الحسن والحسين عليهما السلام الى المباهلة وهما طفلان ولم يرى
مباهل قبله ولا بعده باهل بأطفال ،فبهذا بطلت اقاويل المشككين والمبغضين واعترف
الجميع بإمامته عليه السلام .
ومن شواهد التاريخ على علم الامام الجواد مناظرته التي
اذهل فيها جميع من حظر في مجلس المأمون حين اراد المأمون وحاشيته ان يختبر علم
الامام فبعثوا الى يحيى بن اكثم و هو قاضي القضاة وطلبوا منه ان يسأل الامام
الجواد عليها السلام في مسألة فقهيه ليعجز عن الاجابة عنها وكان عمر الامام
الجواد عليه السلام تسع سنوات ولكن كان الامام عليه السلام يجيب عن السؤال تلو
السؤال ويتفرع من كل مسألة مسائل يجيب عنها الامام الجواد فاظهر عجز يحيى بن
اكثم وينساب علم الامام ويتدفق اكثر واكثر الى ان استسلم جميع من في المجلس ،
ألا ان علم الامام يمتد من رسول الله صلى الله عليه وآله.
وتوارت الاحداث السياسية في حياة الامام عليه السلام ، وتخرج من
مدرسة الامام عليه السلام من بيده رئاسة المذهب في بلاده (كأحمد بن محمد البرقي
وعلي بن مهزيار الاهوازي وصفوان بن يحيى وعلي بن جعفر (عمه) وغيرهم من ائمة
المسلمين من زمانهم ) .وحصلت في زمان الامام ثورتان علويتان .
ان الامام
الجواد عليه السلام بعد مرور سنة على زواجه سمح له المأمون بالعودة الى المدينة
المنورة والاقامة فيها وبعد موت المأمون وتسلم المعتصم للخلافة استدعى الامام
الجواد من المدينة الى بغداد عام (219هـ) خوفاً من سطوع نجمه وبزوغ فجره واتساع
تأثيره وحب الناس والتفافهم حول الامام عليه السلام فلم يتحمل المعتصم ذلك
،فأشار على زوجة الامام الجواد ام الفضل بأن تسم الامام عليه السلام لأن
المعتصم علم بشدة غيرتها على الامام وغيرتها من زوجة الامام الثانية فأجابته
الى ذلك وجعلت سماً في عنب ووضعت بين يدي الامام عليه السلام . فلما أكل منه
ندمت وجعلت تبكي فقال عليه السلام : ما بكاؤك ؟ والله ليضربنكِ الله بفقر لا
ينجبر وبلاء لا ينستر وهكذا اثر السم في الامام تأثيراً شديداً حتى لفظ انفاسه
الاخيرة ولسانه يلهج بذكر الله تعالى ، وقد انطفأت باستشهاده شعلة مشرقة من
الامامة والقيادة المعصومة في الاسلام .
لقد
استشهد الامام الجواد عليه السلام على يد طاغية زمانه المعتصم وقد انطوت بموته
صفحة من صفحات الرسالة الاسلامية ودفن الامام عليه السلام في مقابر قريش مع جده
موسى بن جعفر (عليه السلام ) ولم يزل ذلك الضريح مناراً يقصده الوافدون من جميع
انحاء العالم ويتوسلون به الى الله تعالى في قضاء الحوائج ولهذا سمي كل من
الامامين الكاظم والجواد عليهما السلام بباب الحوائج لكثرة قضاء الحوائج الصعبة
عند التوسل بهما وزيارة ضريحيهما المقدسين.