ماذا تعرف عن الصحابي المغمور
عثمان بن مظعون
مقدمة
ان من المفترض تدوين
التاريخ الاسلامي بكل تفاصيله التاريخية ما اكتنفه من اصحاب واحداث كانت تحوم
حوله ، لأنه هو الارث الثقافي والمعرفي لدى الفرد المسلم .
ومع ذلك نرى كثيرا من القضايا التاريخية والشخصيات الاسلامية لم تعط حقها من
الذكر ولم تسلط عليها الأضواء ، بل غابت عن وجدان المسلم ، من تلك الشخصيات
الهامة التي غابت عن السطور الشخصية والتي نحن بصدد تسليط الضوء عليها (عثمان
بن مظغون ) .
عندما بعث النبي (ص) بالرسالة السماوية لم يعلن عنها في بادئ الأمر ، وذلك بأمر
من الله تعالى إلا في ضمن أقربائه وعشيرته ، حيث قال عز اسمه (وانذر عشيرتك
الاقربين ) .
فدعا (ص) اقرباءه في واقعة الدار المعروفة ، ودعاهم بشهادة ( ان لااله الا الله
وانه رسول الله ) ، فأول من آمن به واطاعه وبذل مهجته دونه وجاهد بين يديه في
سبيل الله (عز وجل ) هو الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) ، كما ان اول
امرأة امنت به واطاعته وبذلت مالها في سبيل دعوته ورسالته هي زوجته الخالدة
خديجة (ع) .
ثم توسعت دعوته فآمن به عدة قليلة من أصحابه المخلصين ، وقد اخذ الاسلام مأخذه
في نفوسهم ، فكانوا ذوي ورع و تقى و عبادة ، وانقطاع عن الدنيا و لذاتها
وشهواتها ، ومن اولئك الصحابي الجليل (عثمان بن مظعون ) ، حيث ذكرت النصوص
التارخيه انه آمن بعد ثلاثة عشر رجلا من المسلمين .
اسمه ونسبه :
قد ذكر المؤرخون اسمه ونسبه من دون اختلاف في سلسلة آبائه في الاصابة ( هو
عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحي ) .
واضاف بعضهم ( القرشي المدني ) لكنها لا ترجع الى اختلاف في النسب ، الا ان
المهم ان بعض المصادر التاريخية ضبطته ( مضعون ) بالضاد ، والظاهر انه سهو ،
لأن ( مظعون) بالظاء المعجمه من الظعن الذي هو ضد الاقامة ، مع انه ليس في
اللغة (ضعن ) بالضاد المعجمة ، ولذا يقرب ضبطه كما ضبطناه ، وضبطه في الاصابة ،
وكثير من مصادر التراجم والمصادر التاريخية .
اسلامه وعبادته :
روى ابن اسحاق (اسلم عثمان بن مظعون بعد ثلاثة عشر رجلا) ، وروي انه قال : (
اني اسلمت استحياء من رسول الله (ص) لكثرة ما يعرض علي الاسلام ) .
وفي مجمع البيان : ( لم يستقر في قلبي – الاسلام – حتى كنت ذات يوم جالسا عند
رسول الله (ص) وهو يحدثني اذ شخص ببصره نحو السماء كأنه يستفهم شيئا ، فلما سرى
عنه سألته عن حاله قال : نعم بينما انا احدثك اذ جاءني جبرئيل بهذه الآية ( ان
الله يأمركم بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكريعظكم
لعلكم تذكرون ) فلما سمعتها استقر الاسلام في قلبي .
وذكر ابن اسحاق : ( انه كان من اشد الناس اجتهادا في العبادة ، يصوم النهار
ويقوم الليل ويتجنب الشهوات ويعتزل النساء ) ، وعن سعد بن مسعود : ان عثمان بن
مظعون اتى النبي (ص) فقال : ائذن لنا في الاختصاء) ، كما ذكرت نصوص كثيرة انه
جاء الى النبي يطلب منه الاذن في السياحة ، كما سيمر علينا .
وهذا يكشف انه كان غاية في العبادة والورع والتقى ، وفي الدرجات العالية منها ،
حتى ذكر ابو أمامة والطبراني : ( خرج رسول الله (ص) من بيت عثمان بن مظعون فوقف
على الباب فقال : مالك ياكحيلة متبذلة ؟ أليس عثمان شاهد ؟ قالت : بلى ، وما
اضطجع على فراش منذ كذا وكذا ، ويصوم النهار فلا يفطر ، فقال : مريه ان يأتيني
، فلما جاء قالت له ، فأنطلق له فوجده في المسجد ، فجلس اليه فأعرض عنه فبكى ،
قد علمت انه فد بلغك عني امر ، قال : انت الذي تصوم النهار وتقوم الليل لا يقع
جنبك على فراش ، قال غثمان : قد فعلت ذلك التمس الخير ، فقال النبي (ص) لعينك
حظ ، ولجسدك حظ ، فصم وافطر، ونم وقم ، وائت زوجك ، فإني انا اصوم وافطر ،
وأنام واصلي ، وآتي النساء ، فمن أخذ بسنتي فقد اهتدى ، ومن تركها ضل ، وان لكل
عمل شرة ولكل شرة فترة ، فإذا كانت الفترة الى الغفلة فهي الهلكة ، واذا كانت
الفترة الى الفريضة فلا يضر صاحبها شيئا ، فخذ من العمل ما تطيق ، فاني انما
بعثت بالحنفية السمحة ، فلا تثقل عليك عبادة ربك لاتدري ماطول عمرك ) .
وهذا دليل على رقة قلبه ببكائه حين اعرض عنه (ص) واهتمامه برضاه عنه ، كما انه
يظهر اهتمام النبي (ص) به حين طلبه الى المسجد ولم يتركه حتى يهلك ، وقد روى في
الكافي هذه الحادثة بصورة أخرى مشابهة عن ابي عبد الله (ع) قال : (جاءت امرأة
عثمان بن مظعون الى النبي (ص) فقال : يارسول الله ان عثمان يصوم النهار ويقوم
الليل ، فخرج رسول الله (ص) مغضبا يحمل نعليه حتى جاء الى عثمان ، فوجده يصلي ،
فانصرف عثمان حين رأى رسول الله (ص) فقال له : يا عثمان لم يرسلني الله تعالى
بالرهبانية ، ولكن بعثني بالحنفية السهلة السمحة ، أصوم واصلي ، وألمس أهلي ،
فمن احب فطرتي فليستن بسنتي ، ومن سنتي النكاح ) .
روي في البحار قال : روي عن رسول الله (ص) انه وصف القيامة لأصحابه يوما ،
وبالغ في انذارهم، فرقوا ، فاجتمعت جماعة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون
وإتفقوا على ان لايزالوا صائمين قائمين ، وان لايأكلوا اللحم ، ولايناموا على
الفراش ، ولايقربوا النساء ، والطيب ، ويرفضوا لذات الدنيا ، ويلبسوا المسوح –
اي الصوف – ويسيحوا في الارض – اي يسيروا – فبلغ رسول الله (ص) ذلك فقال : اني
لم أؤمر بذلك ، ان لأنفسكم عليكم حقا ، فصوموا وافطروا ، وقوموا وناموا ، فإني
اقوم وانام ، واصوم وافطر ، وآكل اللحم والدسم ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) .
وقد روى في الكافي ما هو قريب من هذا الشأن عن ابي عبد الله (ع) قال : (قال
عثمان بن مظعون لرسول الله (ص) قد اردت ان ادع الطيب وأشياء ذكرها ، فقال رسول
الله (ص) لاتدع الطيب فان الملائكة تستنشق ريح الطيب من المؤمن ، فلا تدع الطيب
في كل جمعة ) . وعن عثمان بن مظعون قال : قلت لرسول الله (ص) : ( ان نفسي
تحدثني بالسياحة وان الحق بالجبال ، قال يا عثمان لا تفعل ، فإن سياحة امتي
الغزو والجهاد ) .
كما قد ذكر بعضهم ان النبي (ص) آخا بينه وبين ابي الهيثم بن التيهان الصحابي
الجليل الذي كان من النقباء العشرة ، وشهد بدرا ، واحد ، والخندق ، وباقي
المشاهد . وهو الآخر يكشف عن مدى شخصية هذا الرجل ليؤاخي النبي بينه وبين ابي
الهيثم (ع) .
هجرته الاولى
للحبشة :
عندما حاصر المشركون اصحاب النبي الأكرم (ص) اشد الحصار ونالوا منهم انواع
التعذيب والترهيب ، امرهم النبي (ص) بالهجرة الى الحبشة ، وقال لهم ان بها
حاكما عادلا ، فاطلبوا جواره ، فكانت الهجرة الى الحبشة هذه بداية سفارة
للمسلمين في ارض الحبشة ، وكان زعيمها جعفر بن ابي طالب الطيار (ع) ، وكان من
جملة المهاجرين عثمان بن مظعون ، وعمار بن ياسر ، والمقداد بن الاسود ، الى
اثنين وثمانين رجلا .
زوجته وذريته :
لم يذكر التاريخ ان لعثمان بن مظعون ذريه ، اولاد وبنات الا ولدا واحدا وهو
المسمى بـ ( السائب ) وكان يكنى به ، والذي يظهر من بعض النصوص التاريخية ان
اسلامه كان بعد اسلام ابيه ، فقد ذكر ابن اسحاق : ( انه اسلم اناس من قبائل
العرب ، وكان منهم السائب ابن عثمان بن مظعون ) ، كما ذكر انه اسلم في بداية
الاسلام ، وهاجر الى الحبشة ، وشهد بدرا ، والمشاهد ، واستشهد باليمامة ،
واستعمله النبي (ص) على المدينة في غزوة بواط ) ، وان صحت هذه الرواية فان
استخلاف النبي (ص) له على المدينة يعطي مؤشرا مهما الى مدى اهمية (السائب )
لديه وانه يمثله في غيابه في المدينة المنورة .
واما زوجة عثمان بن مظعون فهي ( خولة بنت حكيم بن الاوقص السلمية ) من المؤمنات
الصالحات ، العارفات بحق النبي (ص) ، وهي من اللاتي وهبن انفسهم للنبي الاكرم
(ص) .
فقد حدث هشام بن محمدعن ابيه قال : ( كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن انفسهن
للنبي (ص) فارجأها ، وكانت تخدم النبي (ص) ، وتزوجها عثمان بن مظعون فمات عنها
) فهي قبل اتصالها بزوجها كانت ممن تخدم النبي (ص) ومن العارفات بحقه .
بل من المتابعات لشؤونه الخاصة حتى كانت تشفق عليه ، وتحاول التخفيف عن كاهله
الشريف فعند فقد خديجة – مع انكباب قريش عليه ، وتأليبهم – كان يعاني من الآلام
ما لا يعلمه الا الله (عز و جل ) ، فكانت هذه المرأة الصالحة تعاهده بين الحين
والآخر ، وتحاول التخفيف عن آلامه.
فقد حدث بعض المؤرخين انها جاءت الى رسول الله (ص) فقالت : (يا رسول الله كأني
اراك قد دخلتك خلة لفقد خديجة ! فقال : أجل ، كانت هم العيال وربة البيت ، قالت
: افلا أخطب عليك ؟ قال : بلى فإنكن معشر النساء ارفق بذلك ، فخطبت عليه سودة
بنت زمعة من بني عامر بن لؤي ، وخطبت عليه عائشة بنت ابي بكر ، فبنى بسودة بمكة
، وعائشة يومئذ كانت بنت ست سنين ، حتى بنى عليها حين قدم المدينة ) .
وفاته :
بالرغم مما حظي به هذا الرجل من الكرامة والاتصال بالنبي (ص) في حياته فقد حظي
بذلك بعد وفاته ، وقلما نجد من الانصار او المهاجرين من حصل على مكانة كما حصل
عليها هذا الرجل ، فإنه عندما توفي وهو اول متوفى من المهجرين في المدينة ، بعد
ان شهد بدرا في السنة الثانية للهجرة ، كان اول من دفن في البقيع ثم وسمه النبي
الأكرم (ص) بوسام شرف الى يوم القيامة .
فقد حدث بن اسحاق ان رسول الله قبل عثمان بن مظعون بعدما مات ، كما روى في
الكافي عن ابي عبد الله (ع) قال : ( ان رسول الله (ص) قبل عثمان مظعون بعد موته
) .
وقيل لما غسل وكفن قبل رسول الله (ص) بين عينيه ، فلما دفن قال : ( نعم السلف
لنا عثمان بن مظعون ) كما ذكر في الاستيعاب ايضا ( ان عثمان بن مظعون لما مات
وغسل وكفن جاء رسول الله (ص) اليه وقبل ما بين عينيه ، وبكى حتى رؤي وعيناه
تذرفان دموعا ) .
وروى الترمذي عن عائشة قالت : ( قبل النبي (ص) عثمان بن مظعون وهو ميت وهو يبكي
وعيناه تذرفان ) . فهنيئا لك يا ابا السائب بكاء النبي عليك وتقبيله اياك .
ولم ينته التكريم والتعظيم لهذا الرجل من قبل النبي الاكرم (ص) حتى ذكر ارباب
السير والمؤرخون انه (ص) بعد ما دفنه امر رجلا ان يأتيه بحجر فلم يستطع حملها ،
فقام اليها رسول الله (ص) وحسر عن ذراعيه ، ثم حملها فوضعها عند رأسه ، وقال :
( اعلم بها قبر اخي وادفن اليه من مات من اهلي ).
ولذا نجد (ص) عندما مات ابراهيم (ع) ابنه دفنه عنده في حادثة رواها الكافي عن
ابي عبد الله (ع) قال : ( سمع النبي (ص) امرأة حين مات عثمان بن مظعون وهي تقول
هنيئا لك يا ايا السائب الجنة .
فقال النبي (ص) وما علمك ! حسبك ان تقولي : كان يحب الله ورسوله ، فلما مات
ابراهيم ابن رسول الله (ص) هملت عين رسول الله(ص) بالدموع ، ثم قال النبي (ص)
تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب ، وانا بك يا ابراهيم لمحزونون
ثم رأى النبي (ص) في قبره خللا فسواه بيده ، ثم قال اذا عمل احدكم عملا فليتقن،
ثم قال : الحق بسلفك الصالح عثمان بن مظعون ) . وفي بعضها انه دفنه عنده .
وهكذا لما ماتت رقية بنت (او ربيبة) النبي (ص) وكانت زوجة لعثمان بن عفان – في
حادثة معروفة ، ذكرها بعض المؤرخين – دفنها عند عثمان بن مظعون .
فقد روي بالكافي عن ابي بصير عن احدهما (ع) قال : ( لما ماتت رقية ابنة (او
ربيبة) رسول الله (ص) قال رسول الله (ص) الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون
واصحابه ، قال ، وفاطمة (ع) على شفير القبر تنحدر دموعها في القبر ورسول الله
(ص) يتلقاه بثوبه قائما يدعوا قال : اني لاعرف ضعفها ، وسألت الله عزوجل ان
يجيرها من ضمة القبر )
التسميه باسمه :
حفلت المصادر التاريخية عن اسم عثمان بن امير المؤمنين (ع) الذي استشهد مع اخيه
الحسين (ع) في طف كربلاء ، وكانت الحجة انه لما سمى ولده بهذا الاسم تقربا من
الخليفه الثالث ، وتجنبا للعداء والبغضاء ، ومحافظة على الألفة والمحبة بين
خلفاء المسلمين ، لكن عندما نمعن بالمصادر التاريخية نجد الأمر على خلاف ذلك ،
وأنه سماه تيمنا باسم اخيه عثمان بن مظعون ، ففي مقاتل الطالبيين عن هبيرة بن
مريم قال : كنا جلوسا عند علي (ع) فدعا ابنه عثمان ، ثم قال : ياعثمان ، اني لم
اسمه باسم عثمان ذلك الشيخ .. انما سميته باسم اخي عثمان بن مظعون .
كما ورد في زيارة الناحية في السلام على اصحاب الحسين واللعن على قاتليهم (
السلام على عثمان بن امير المؤمنين سمي عثمان بن مظعون )
وهو تأكيد من قبل الائمه (ع) على جلالة قدر هذا الرجل العظيم ، وعدم محاباة
امير المؤمنين للعصاة والخارجين . فسلام على عثمان بن مظعون حيا وميتا .
عن مجلة
ينابيع العدد 51 السنة العاشرة صفحة 90