إصلاح مفهوم شهر رمضان


    يحل شهر رمضان كل عام على الناس حاملا معه حقيبته الفريدة المشتملة على نظام حياة جديد فيه اوقات طعام محددة واوقات نوم مغايرة عن باقي الشهور وكذلك نوع من التكليف والمشقة لا يجدها الناس في غيره من الشهور وبالمقابل هناك أبواب مفتحة من الرحمة والافاضة الالهية ونوع من الضيافة الربانية للناس لا مثيل لها في غيره من شهور السنة.


    وللناس في تفاعل نفوسهم مع هذا الشهر الكريم تفاوت واختلاف فنحن في بلدنا هذا ومع تزامن موسم الصيف مع شهر رمضان نجد بعض الناس عندما يذكرون شهر رمضان يذكرون معه المشقة وعسر التكليف ونجد انه يغلب عليهم ضيق النفس وثقل الطاعة.
   وكما نعلم ان هناك ملازمة بين اللفظ والمعنى، اي متى ما ذكر اللفظ انتقل الذهن الى المعنى. والذي يحصل عند هؤلاء الذين ذكرنا من الناس، ذكر شهر رمضان ينقل اذهانهم الى امر شاق وعسر وهم كبير.

 
      ويعود ذلك ربما لأمرين احدهما وضعي اعتباري ينتهي الى ظرف البلد وشدة الحر في موسم الصيف ربما يعود الامر الثاني إلى ضعف في فهم الناس لهذا الشهر وعدم التفاتهم الى مغانمه العظيمة وشمول الرحمة التي خصها الله تعالى لعباده فيه وسعة المغفرة التي تنتظرهم وخصوصا في ليلة القدر التي هي فرصة ثمينة وانعطافة خطيره في حياة الانسان اذ ان له فيها ان يرسم ويخطط كامل تفاصيل حياته الى سنته القادمة إذ له ان يسأل الله كل صغيرة وكبيرة لحين العام القادم فهو يسأل مقدار ونوع رزقه وطول اجله وحجم ونوع وزمن اي مفردة من مفردات البلاء التي لا يريد ان تقع عليه بل ما هو ادق من ذلك في تفاصيل حياته القادمة، وكذا هي فرصة للمكاشفة مع الله تعالى وتصفية التبعات والخروج من الذنوب والخطيئات. هذا للدنيا فكيف يفوت على الانسان في هذه الليلة من دون ان يخطط و يرسم تفاصيل ما بعد الدنيا ابتداء من الموت و خصوصيات قبض الروح و كيفية سكونه في قبر الوحشة ثم ما يلي ذلك في القيامة والحشر والحساب وجواز الصراط ثم الاسقرار في دار السعادة الأبدية .


     لنعد الى الموضوع ، هناك تقصير من قبل الناس في فهم الحقيقة العالية لشهر رمضان اذ لو تنبه الناس الى ما اعد الله لعباده في هذا الشهر لكان ذكر اسم هذا الشهر ينقل الذهن الى كل بهجة وإنشراح وامل فقد ورد في الحديث عن اهل العصمة (ع) ما مضمونه : ان لو عرف الانسان فضل هذا الشهرلتمنى ان يطول هذا الشهر طول السنة .


    هنا يرد سؤال لماذا عندما يذكر حج بيت الله الحرام او العمرة ترى النفوس تبتهج وتنشرح وتعلوا الابتسامة على الشفاه مع ان تكاليف الحج اشد واعسر من صيام شهر رمضان ؟ فضلا عن الثقل المادي للحج ومشقة السفر ففي الحج واجبات وعبادات عديدة والتزامات اشد مشقة لكن الذهن ينتقل الى ما هو مسر للنفس . يكاد كلنا يذكر آبائنا وامهاتنا ونحن صغار يقولون ونحن لانزال نحفظ قولهم : ان للانسان فرحتان في حياته فرحة عند زواجه وفرحه عند عودته من بيت الله الحرام . فصارت منذ ذلك الوقت اذهاننا تنتقل الى ما هو يفرح ويبهج عندما يذكر الحج .
 

الذي ندعوا اليه الآن :
اولا- التنبه الى ان الظرف الوضعي خاضع للتغير والتبدل وماهي الا سنين معدودات ويكون شهر رمضان قد فارق موسم الصيف وصار الصوم ايسر وظرف البلد ربما افضل ان شاء الله .


ثانيا- علينا ان نجاهد في انفسنا الى تغيير نظرتنا وفهمنا للشهر والالتفات الى الجانب المشرق منه وهو باب الرحمة والمغفرة والرضوان الالهي .


ثم ثالثا – نسعى ( لما فعل الاباء والامهات قديما) الى زرع هذه المفاهيم الجميلة والمعاني العالية وتشويق النفس في هذا الشهر عند اولادنا وبناتنا ان زرع في اذهانهم اجمل الصور المبهجة لتنشد قلوبهم الى هذا الشهر بل الى مناهل الرحمة والافاضة الالهية والكرامة الخاصة في هذا الشهر محاربين الشيطان وما يزرعه في النفس من تضليل.

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com