هل الشياطين مغلولة في شهر رمضان ؟
ورد في خطبة الرسول الأعظم محمد (ص) ان في شهر رمضان تكون الشياطين
مغلولة. ونحن نجد ان غير الصائمين من الناس في هذا
الشهر يرتكبون المعاصي والآثام ولا أثر لهذا القيد على الشياطين بل حتى ان
الصائمين (ومنهم نحن) نجد ان ارتكاب المعصية وطاعة الشيطان ممكنة و واقعة. اذ
لو كان الشيطان مغلول لكانت صلاتنا تقع منا من غير غفلة وبحضور تام.
لذا يأتي السؤال اين مصداقية كلام الرسول (ص) من الواقع ؟
الجواب : لا يعقل ان
يقول نبينا محمد (ص) كلام لا يصدق في الواقع ! هذا يتنافى
مع أصول العقيدة.
اما الشيطان هو من خلق الله تعالى ، هو من الجن غير مرئي مكلف
مختار. قد عصى الله تعالى باستكباره عن امره ، إذ امره الله عز وجل بالسجود
لآدم (ع) فاستكبر ولم يسجد ، كما ان الشيطان اقسم ان يضل ذرية آدم اجمعين الا
المخلصين منهم . وللشيطان صور في اضلال الانسان منها الاغواء، والتسويل ،
والتسويف ، والتزيين . وهو ممنوع من ذلك ، فمنعه الله تعالى عن اضلال بني آدم
لكنه تمادى في المعصية و الاستكبار على طاعة الله تعالى . وهو غير معجز لله
تعالى ، ولا يكون بإفساده واهلاكه البشر والتنظيم الالهي يكون قد عطل النظام
الالهي وضيع الغاية والغرض من الخلق . كلا ان الله بالغ امره وان عمل الشيطان
وسعيه منظور ومدروس ويقع ضمن الحكمة الالهية. وجعل الله ما يعارض عمل الشيطان
ويضاده في اثره الا هو العقل الانساني واي عقل انه العقل المستقيم الصحيح لا
العقل المنحرف والمعطل .
اما تأثير الشيطان في الانسان فيكون عن طريق تحريك قوى النفس
الشهوية و الغضبية ويتم هذا التحريك بإلقاء الخواطر الشيطانية في القلب . فقلب
الانسان اما مسكن للملك او مسكن للشيطان . فلو استحوذ الشيطان على قلب الانسان
وصار مسكنا له ، بل و تكاثر فيه ايضا صارت قوى النفس الشهوية والغضبية هي التي
تسوق النفس وقوتها العاقلة مغلوبة على امرها وصارت هذه النفس هي النفس الامارة
بالسوء. اما النفس التي يستوطنها الملك ولا سبيل للشيطان اليها هي النفس
المطمئنة حيث تكون القوة العاقلة هي المتسلطة. وبين الاثنين تقع النفس اللوامة
التي لا يستوطنها الشيطان لكن له تأثير وقتي عليها يغوي قليلا ثم يفر وتكون
السيادة للقوة العاقلة معظم الوقت وساعة الغواية تستعلي اما القوة الشهوية
والغضبية دافعة العاقلة عن مكانها زمن قليلا وهذا حال كثير من المؤمنين .
لنعد الى الصيام في شهر رمضان . المؤمن الصائم يصوم عن
الطعام وكذا يكف نفسه عن المعاصي و الآثام ويجد نفسه اقرب الى الطاعة والالتزام
، فهو في الحقيقة يكبح كل من قوى النفس الشهوية والغضبية في هذا الشهر وهاتان
القوتان هما منفذ الشيطان الى ابن آدم وبهذا الكبح كان الانسان قد وضع الأغلال
على الشيطان وقيده . فالصوم هو الذي يغل الشيطان وليس هناك إغلال تكويني .
هنا يتجلى كلام رسول الله (ص) في ان الشياطين مغلولة في
هذا الشهر المبارك . متى ما صام الانسان صوما متكاملا.
وهنا سؤال هل الشياطين مغلولة متى ما صام الانسان ؟ خطبة الرسول (ص) تخصص ذلك
في شهر رمضان ولم تعم التقيد للشيطان في غيره من الشهور مع ان الانسان لو صام
في باقي الشهور لكف نفسه عن الهوى وتحقق القيد الذي ذكرناه . هناك امر اخر في
شهر رمضان هنالك الطاف الهية وافاضات خاصة تختص بالمؤمن الصائم، هذا اللطف
الالهي نوع من الامداد الالهي لمنظومة فكر الانسان ودعم لقوته العاقلة فهو حارس
داخلي وتعزيز للترسانة الداخلية لنفس الانسان امام غزو الشيطان . وهذا اللطف
خاص في شهر رمضان لمكان الضيافة الالهية للمؤمنين وخصوصا نزول الرحمة بهم من
هذا الشهر. وبهذا يتضح صدق قول الرسول الاعظم من تصفيد وتقييد الشياطين في هذا
الشهر .
بقي امر آخر وهو لو كان المؤمن قد احسن صيامه في شهر رمضان وقد قيد وصرف
الشيطان عنه , اذن لماذا لا ينطلق هذا الصائم الى الامام ويحرز كل مغانم هذا
الشهر الكريم طالما الشيطان مغلول فلا بد ان يكون انسانا كاملا محققا لكل
الكمالات الروحية المعده للمؤمنين المخلصين . لكن لا اثر لذلك ، فهذا الانسان
حاله لا تكاد تكون احسن قليلا عن حال صيامه في السنين السابقة . لماذا ؟
الجواب هناك تفاوت في
البشر. تفاوت في الخلقة من جهة القوة و الاستعداد وهناك تفاوت في الهمة من جهة
السعي والاجتهاد ، والامر منوط بالإنسان وقابلياته وامكاناته وكذا بسعيه
واجتهاده و مجاهدته ، فالمضمار مفتوح ، وله ان يستبق الخيرات ان شاء .
نعم آثار المعاصي والكبائر السالفة في حياة الانسان لها
اثر مثبط لهذه الحركة الروحية ، هي ما يسمى بالرين على القلوب ، تبطئ الانسان
وتثقله . فعليه ان يسعى في هذا الشهر الكريم في ان يخفف من حمله وما يثقل ظهره
والذي كسبه من المعاصي وذلك بكثرة الاستغفار والتوبة وطلب العفو والستر لعله
يوفق لخير هذا الشهر .