طول العمر ام قصره
عندما يتحدث خطباء المجالس
الافاضل عن ائمة اهل البيت عليهم السلام يثير انتباهنا أمران ألأول صغر الامام
الجواد (ع) عند شهادته، له خمس وعشرون سنة يوم استشهاده فهو أقصر الائمة من آل
الرسول ص عمرا. و الثاني هو قصر عمر الزهراء ارواحنا لها الفدى وقد استشهدت
ولها ثماني عشرة سنة وهي أقصر المعصومين من آل محمد ص عمرا. وللزهراء سلام
اللـــ عليها مناجاة معه تعالى مضمونها: اللهم قصر في عمري ووسع فيه أثري ولا
تطيل عمري وتضيق فيه أثري.
من هذا الكلام نفهم انه لا عبرة في العمر الطويل بل هي في الاثر الوسيع فيه.
فهناك من الناس من يدخل الدنيا ويغادرها شيخا وكأنه لم يدخلها لغفلته عن الاخرة
الباقية وانشغاله بالدنيا الفانية، ومن الناس من يدخل الدنيا ويدركه الموت وهو
في اول شبابه لكنه اغتنم ساعات عمره في أثر حق باق.
ولا يذهب ذهن القارئ النبيه الى العباقرة والمشاهير في علوم الكيمياء والفيزياء
والفلك والفن والادب الذين عمروا الدنيا ونفعوا البشرية بآثارهم مثل اديسون
ونيوتن وشكسبير ودافنشي فهؤلاء لاتتعدى آثارهم ظرف هذه الدنيا وليس لهم في
الاخرة من نصيب.
فحديثنا عن الذين انتهجوا نهج الحق وسلكوا سبيل الهداية الالهية القويم وركبوا
الصراط المستقيم ونهضوا بأنفسهم إرضاءً لربهم، فمزقوا ستر الظلام واناروا الارض
بنور الحق فاهتدى الناس بنورهم وصلحت الارض بخطاهم في مسيرهم، هذا الاثر الذي
يمكث في الارض ولا يذهب جفاءا.
باختصار، التلبس بالاعتقاد الحق والسعي بالعمل الصالح والتحلي بفواضل الاخلاق
والثبات على ذلك يصنع من الانسان إنسانا كاملا يحضى بمنزلة القرب الالهي ويكون
منارا يهتدي به الناس وتعمر به الارض وتحيا به السنن الالهية. هذا كله من
مصاديق سعة الاثر الذي تسأله الزهراء ع في مناجاتها ربها. ولذا لايسعنا ان نحصر
هذا الاثر بذلك بل كلما بحثنا أعمق انكشفت لنا كنوز ما هو في مقدور الانسان ان
يخرجه من مكنون قوته الى ظاهر فعله.
واصدق مثال وأجلى صورة نجدها في الحسين سيد الشهداء ع، فهو أثر من اثار وثمرة
من ثمارالرسول المصطفى ص والوصي المرتضى ع والصديقة الزهراء ع، فأي ثمرة هو؟
لقد وسع الحسين ع اقطار الارض وأبعاد الزمان واستولى على القلوب والأفهام
والأذهان، ولايسع هذا المقام ولا يفي طول الكلام في بيان بعد من أبعاد نهضته ع
للإصلاح في أمة جده ص. والقارئ كله فطنة ونباهة الى ما أرمي وأشير.
فأنا الآن أدعو نفسي أولاً ثم أدعوكم الى إغتنام فضلة العمر المتبقية لنا في
هذه الدنيا قبل حلول الأجل وانقطاع العمل وتبدد الأمل، أن نقوم بإصلاح خجول في
امة سيد الرسل محمد ص كل بقدر استعداده في ميدان عمله وحسب جده واجتهاده عسى ان
نوفق لأثر باق، قبل ان تلتف الساق بالساق.
وله الحمد وله الامر