الابتلاء في الدنيا
 

قال تعالى في كتابه الكريم: [الم،أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ]

 

الابتلاء في القران الكريم والروايات الشريفة

   من السنن الالهية التي جعلها الله في الدنيا هو تعرض الناس للبلاء ليكون اختباراً لهم في صدق ايمانهم بالله والتزامهم بتعاليم دينه الذي يستحقون عليه الجزاء الموعود في الاخرة، فلابد من تعرضهم للمصاعب المختلفة في الحياة من الابتلاءات الشخصية او الاجتماعية التي تكشف عن حقيقة ايمانهم وتسليمهم لله كما في قوله تعالى: [وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ]،

وكما قال في اية اخرى: [وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ]، حيث يكون البلاء سببا لتمحيص الذنوب وادراك حقيقة الدنيا التي جعلها الله فترة مؤقتة من عمر الانسان،

   ولذا فقد ورد عدد من الروايات الشريفة عن رسول الله واهل بيته المعصومين التي توضح طبيعة الابتلاء وثوابه وما يلزم المؤمن عند تعرضه له ومن تلك الروايات ما يلي:

• عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: [إنَّ عِظَمَ الجَزاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحَبَّ قَوماً اِبتَلاهُم ، فَمَن رَضِيَ فَلَهُ الرِّضا ، ومَن سَخَطَ فَلَهُ السَّخَطُ].

• وعنه صلّى الله عليه وآله في حديث اخر قال: [إذا أحَبَّ اللهُ عَبداً اِبتَلاهُ، فَإِن صَبَرَ اجتَباهُ ، فَإِن رَضِيَ اصطَفاهُ].

• وعنه صلّى الله عليه وآله في حديث ثالث قال: [إنَّ اللهَ تَعالى إذا أحَبَّ عَبداً اِبتَلاهُ ، فَإِذَا ابتَلاهُ فَصَبَرَ كافَأَهُ].

• وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله في حديث اخر قال: [أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقّة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة].

• وعن الإمام الباقر عليه السّلام قال: [إنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى إذا أحَبَّ عَبداً غَتَّهُ بِالبَلاءِ غَتّاً {اي غمسه فيه}، وثَجَّهُ بِالبَلاءِ ثَجّاً {اي يصب عليه البلاء صبا}، فَإِذا دَعاهُ قالَ : لَبَّيكَ عَبدي، لَئِن عَجَّلتُ لَكَ ما سَأَلتَ إنّي عَلى ذلِكَ لَقادِرٌ، ولَئِنِ ادَّخَرتُ لَكَ فَمَا ادَّخَرتُ لَكَ فَهُوَ خَيرٌ لَكَ].

 

فوائد الإبتلاء  

• الإبتِلاءُ نوعان : إبتلاء لرَدْعْ .. وابتلاء لرَفْعْ

• فإذا كانَ العبدُ عاصياً لاهياً في دنياه غافلاً عن ربِّه فقد إبتلاهُ لرَدْعِه عن الذنوب والمعاصي وتذكيره بربه تعالى.

• وإذا كان العبدُ المبتلى مؤمناً طائعاً لربه فقد إبتلاهُ لتنقيتهِ من الذُنوب ورفع منزلتِه عنده، فكِلا الابتلاءان هما من (حـب) الله تعالى لعبدِه وَرحمتِه به، ولو كشف الله الغيب لنا لاخترنا ما اختاره الله[ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ].

• اما الابتلاء لحجج الله المعصومين كما حدث مع نبي الله ايوب ع فهو لرفع المنزلة لأجل ان يكون المثل الاعلى والقدوة في الصبر والشكر.

 

انقسام الناس الى ثلاثة اقسام

وبشكل عام فان سنّة الله في الابتلاء هي رحمة منه وفضلا اضافة لما فيها من الاحساس بألم المبتلين والسعي لمساعدتهم والتخفيف عن آلامهم ، فالناس حين نزول البلاء يكونون ثلاثة أقسام:

الأول : محروم من الخير يقابل البلاء بالتسخط وسوء الظن بالله.

الثاني : راض برضا الله فيقابل البلاء بالصبر وحسن الظن بالله [الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ].

الثالث : شاكر لله حيث يقابل البلاء بالرضا والشكر وهي مرتبة اعلى من الصبر [وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ]

وعلى كل الاحوال فالمؤمن الصادق الايمان رابح في البلاء رغم عنائه لأنه قد اكتسب منه زادا للاخرة اما بتعجيل المغفرة او رفعا للدرجة،

  أما الكافر والمنافق والعاصي لله فقد يعافيه الله ويصرف عنه البلاء في ظاهر الامر وعاجله الا ان هذه المعافاة هي من باب الاستدراج الذي تعقبه العقوبة الماحقة [وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ] وهو ما قصه الله في كتابه الكريم عن العقوبات التي نزلت بفرعون وهامان وبقية الظلمة الذين عصوا الله من الجنود والتابعين [فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ {اي ملام على عمله}].

 

عند الابتلاء يجب الانتباه الى الامور التالية

والبلاء له صور كثيرة منه البلاء في الأهل وفي المال وفي الولد وفي امور الدنيا المختلفة الا ان اعظم البلاء هو البلاء في الدين والذي يستلزم من المؤمن قدرة عالية من الصبر لكي يكون من الفائزين في الاخرة، ومن باب التذكرة بما يلزم المؤمن عند تعرضه للبلاء فان عليه الانتباه للأمور التالية

١-  أن يتيقن أن هذا الابتلاء هو من عند الله فيسلم الأمر له وهو معنى القول (لا حول ولا قوة الا بالله)

٢-  أن يتجنب ارتكاب ما يسخط الله من التذمر والشكوى او الاقوال والافعال التي تعبر عن ذلك.

٣-  أن يتعاطى الأسباب النافعة لدفع البلاء من الاستغفار والتوبة الصادقة وذكر الله في القلب واللسان.

٤- أن لا يفكر الا بالاستعانة بالله اولا لدفع ماحل به من البلاء فهو مفتاح الهداية الربانية الذي يرشده الى الطريق الصحيح وهو ما يعني ان يفرغ قلبه من الاسباب الدنيوية.

٥-  أن يتذكر ما أعده الله للصابرين من الثواب العظيم كما في قوله تعالى: [وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ].

٦-  أن يشكر الله على ما هو فيه فربما ابتلاه الله بهذه المصيبة دفعاً لشر وبلاء أعظم مما ابتلاه به ، فاختار الله له المصيبة الصغرى.

٧-  ان يلتفت الى نفسه فقد يكون غافلا معرضاً عن ذكر الله مفرطاً في جنب الله مغترا بزخرف الدنيا، فأراد الله إيقاظه من غفلته ورجوعه إلى الرشد.

٨-  أنه ربما يكون مقصر وليس له عمل  كبير فأراد الله أن يرفع منزلته ويكون هذا العمل من أرجى أعماله في دخول الجنة.

فإذا استشعر العبد هذه المعاني انقلب البلاء في حقه إلى نعمة وفتح له باب المناجاة ولذة العبادة وقوة الاتصال بربه والرجاء وحسن الظن بالله وغير ذلك من الاعمال التي تقرب الى الله [الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] ليكون جزائهم قوله تعالى: [فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ]

مع تحيات الشيخ نبيل شعبان

 

 

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com