بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبينا محمد واله الطاهرين
 

البكاء من خشية الله أم البكاء على الحسين
 

يا ابن شبيب ان كنت باكيا لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

   البكاء طبيعة بشرية فطرية، وصفة إنسانية، وحالة تظهر على الإنسان لتعبر عن الحزن الذي يكتنف صدره نتيجة أسباب مادية ومعنوية. قال الله تعالى: {وأنّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} أي أنه تعالى هو أوجد الضحك في الضاحك وأوجد البكاء في الباكي لا غيره تعالى.

    ولفهم حقيقة البكاء لابد وان نثبت بعض الحقائق فالبكاء والضحك من الحالات الانفعالية التي يختص بها الإنسان دون غيره, ومن أعراضه وعلائمه الذاتية, وهي (من أشد حالات الإنسان حساسية) وإن من يمتلك القدرة على إبكاء الناس أو إضحاكهم يكون قادراً على امتلاك قلوبهم وجذبهم, بل التحكم, والسيطرة على عواطفهم, وتوجيهها بالاتجاه الذي يريد، كذلك فإن للبكاء أنواع يتنوع بتنوع دواعيه وأسبابه, وله آثار إيجابية كما له آثار سلبية, وقد يرتفع الإنسان ببكائه, وقد ينخفض به حسب دواعيه فمن يبكي على الدنيا وزخارفها يختلف عمن يبكي خشية من الله, أو أسفا على ضياع عمره, أو رحمة لمسكين, أو يتيم, أو مظلوم وعلى كل حال إن البكاء ينفس عن الإنسان بعض آلامه.

   وبصورة عامة فإن البكاء من الامور التي حببها الشارع المقدس وقد اشار القرآن الى مسالة البكاء في اكثر من آية فقد مدح أولئك الذين يبكون عند سماع الحق (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) (109) الاسراء وقال تعالى: (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرّوا سجداً وبكيّاً)
و (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ)
وآية أخرى (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) التوبة
أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُون(َ
(60) النجم

   وهناك عدة أنواع من البكاء فمنها بكاء الخوف والخشية وبكاء الفزع وبكاء الرحمة والرقة وبكاء المحبة والشوق وبكاء الفرح والسرور وبكاء الشكر وبكاء الوجع والجزع من ورود الألم وعدم احتماله وكذلك بكاء الحزن وبكاء الخور والضعف وأيضاً بكاء النفاق (وهو أن تدمع العين والقلب قاس) والرياء والبكاء المستعار والمستأجر عليه، (كبكاء النائحة بالأجرة) وبكاء الموافقة (فهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر عليهم فيبكي معهم ولا يدري لأي شيء يبكون يراهم يبكون فيبكي).

   وأعلى وأسمى أنواع البكاء هو البكاء من خشية الله تعالى فقد وردت الكثير من الروايات التي تبين فضل البكاء من خشية الله مثل (ليس من رجل أعظم منزلة عند الله من رجل بكى من خشية الله)، وأن (البكاء من خيفة الله للبعد عن الله عبادة العارفين)، وأنه ينير القلب, ويعصم من معاودة الذنب ويقوي الخشوع عند الإنسان وأنه مفتاح الرحمة، وأمان من الفزع الأكبر وتمحيص للذنوب وأن العين التي بكت من خشية الله لا تمسها النار الى غيرها الكثير من الروايات

أما ما هو فضل وثواب البكاء على الإمام الحسين الشهيد (ع) ؟

  تضافرت الروايات عن النبي (ص) وعن الأئمّة (ع) في الحثّ على البكاء والحزن والأسى على الإمام الحسين (ع) إلى حدّ الجزع ؛ فإنّ الجزع في المصاب وإن كان ممنوعاً على غيره من سائر النّاس إلاّ أنّ الجزع عليه مستحسن.


   وهناك أخبار كثيرة تدل على أن الله تعالى لم يبعث على وجه الأرض نبياً ووصياً إلا ذكّره بمصاب الإمام الحسين (ع) فبكى عليه قبل استشهاده، وأن رسول الله (ص) وفاطمة الزهراء (ع) وجميع الأئمة (ع) بكوا على الإمام الحسين (ع) بكاءً شديداً وقد قال الإمام الرضا (ع): (إن يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء)، وقال الإمام المنتظر (عج) في زيارة الناحية: (.. فلأندبنّك صباحاً ومساءً، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً). وهناك روايات أخرى بأن السماء بكت على الحسين اربعين صباحا بالدم، وان الارض بكت اربعين صباحا بالسواد، وان الشمس بكت اربعين صباحا بالكسوف والحمرة، وان الملائكة بكت اربعين صباحا على الحسين.

    أما الأخبار الصادرة في فضل البكاء على الإمام الحسين (ع) فهي كثيرة جداً منها: عن الإمام الصادق (ع): (إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع، ما خلا البكاء والحزن على الإمام الحسين (ع) فانه فيه مأجور).
وعن الإمام الرضا (ع): (من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى، لم تبك عينه يوم تبكى العيون، ومن جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب).
وعن الإمام الصادق (ع): (من ذكر الحسين (ع) عنده فخرج من عينه مقدار جناح ذبابة كان ثوابه على الله عز وجل ولم يرضَ له بدون الجنة)

يابن شبيب ان بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته صغيرا كان أو كبيرا قليلا كان أو كثيرا. وما من عين أحب الى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه، وما من باك يبكيه الا وقد وصل فاطمة (ع) وأسعدها عليه، ووصل رسول الله وادي حقنا، وما من عبد يحشر الا وعيناه باكية الا الباكين على جدي الحسين (ع)، فانه يحشر وعينه قريرة، والبشارة تلقاه، والسرور بين على وجهه، والخلق في الفزع وهم آمنون، والخلق يعرضون وهم حداث الحسين (ع) تحت العرش وفي ظل العرش لا يخافون سوء الحساب، يقال لهم: ادخلوا الجنة فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه. وان الحور لترسل إليهم انا قد اشتقناكم مع الولدان المخلدين، فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسهم من السرور والكرامة.

   كان علي بن الحسين (ع) يقول : أيمّا مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعة حتى تسيل على خدّه، بوّأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا. وأيما مؤمن دمعت عيناه دمعا حتى يسيل على خده لأذىً مسّنا من عدونا في الدنيا بوّأه الله مبوَّأ صدقٍ في الجنة. وأيما مؤمن مسّه أذىً فينا ، فدمعت عيناه حتى يسيل دمعه على خديه من مضاضة ما أُوذي فينا ، صرف الله عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.


الخلاصة:

1. عند تتبع الآيات القرآنية والروايات نجد أن موضوع البكاء من خشية الله جاء بصيغة الإخبار وليس الإنشاء بخلاف الروايات التي وردت في البكاء على الحسين فإن الكثير منها جاء بصيغة الإنشاء والأمر (فليبك الباكون)، (فابك للحسين)، والعبارات الشديدة (إن يوم الحسين أقرح جفوننا)، (لأبكينك بدل الدموع دماً).

2. إن الروايات الواردة في البكاء على الحسين (ع) تبدو أكثر عدداً من الروايات الواردة في البكاء من خشية الله بالإضافة الى التنوع في ذكر الجزاء الجميل بشكل ملفت للنظر والبعض منها غريب جداً.

3. تعليل ذلك

(1) أن العلاقة وطيدة بينهما جداً؛ فإنّ الخشوع والخضوع, والحزن والأسى, ورقة القلب والبكاء لمصاب أبي عبد الله الحسين بن علي (ع) راجع إلى ذكر الله والخشوع له, وهو داخل في باب تعظيم الشعائر التي هي من تقوى القلوب (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ). و

(2) أن الإنسان قد لايوفق للبكاء من خشية الله بسهولة وقد لا يحصل على الدمعة خلال شهر أو سنة وقد لا يحصل عليها طوال حياته خاصة اذا عرفنا أنها تحتاج الى معرفة بالله وانها من خصائص العارفين لذلك سيكون محروماً من ثوابها العظيم بينما يستطيع الإنسان البكاء على الحسين بمعرفة بسيطة وجهد أقل كذلك يستطيع الانسان أن يبكي متى ما أراد ويومياً بل عند كل شربة ماء وسيحصل على ذلك الثواب وهذه من خصائص الحسين (ع) فكما كان جده (ص) رحمة للعالمين كان هو رحمة لمن عرفه ولو بأبسط معرفة.

 

 

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com