إبليس الشيطان
قال تعالى ((إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير))ِ {فاطر/6}
الإعداد: عيسى حسين ال عيسى
الإشراف: د.أحمد ضياء ال عيسى
__________________________________________________
المقدمة
لا يخفى على أحد من أتباع الشرائع السماوية في شرق الأرض وغربها ، إن (إبليس لع) أصبح اسمه في طي النسيان لا يكاد يشار اليه الا في تراتيل السماء أو وصايا الأنبياء وكأن أمره لا يعنينا ولاسيما ونحن في عصر النهضة المعلوماتية والثقافية الكبرى مع الأخذ بنظر الإعتبار أهمية هذا الموضوع الذي يمس صميم حياة البشرية في سعيها لتحقيق غايتها التي وجدت من أجلها.
وقد نسى اتباع الرسالات الثلاث ما جاء على لسان أنبياءهم من إن الشــــيطان هو من توعدهم بالخيبة والخسران والإنحراف عن الطريق القويم وانه الذي نصب العداوة لأبناء آدم حقداً وحسداً وبغيا وظلماً واستكبارا وقد تكفل بقيادة الشــر في هذا العالم ضمن مشروع عالمي يمتد منذ بدء خلقة الإنسان الى زوال هذه النشأة الدنيوية.
والتفاتة منا الى هذا الموضوع ذو الأهمية القصوى ولكوننا من أتباع الشريعة الإسلامية أحببنا في هذا البحث المتواضع تسليط الضوء على هذا الكائن المسمى ب(إبليس) متناولين حيثياته التكوينية والتشريعية وطبيعة الدور الذي يمارسه على بني آدم وكيفية تجنبه ومحاربته والإنتصار عليه سائلين الله التوفيق في هذه السطور لفائدة من يقرأ هذا البحث المتواضع انه سميع مجيب .
ملاحظة: نظراً لضرورة الأمانة العلمية في البحث فقد تم التعديل على النصوص المأخوذة من بعض المصادر بما يتناسب وأسلوب البحث من دون التعرض الى أصل الفكرة التي قام ببيانها المصدر ولذلك اقتضى التنويه.
عيسى حسين صادق
1 رمضان 1345هــ
__________________________________________________________________________________________________
الحكمة من خلق الإنسان
قبل الولوج في موضوع إبليس وحيثياته لابد لنا من الوقوف وقوفا اضطراريا على الحكمة المطلوبة من خلق الإنسان وذلك بكونه هو الهدف المنشود لعمله لعنه الله لعله يساعدنا في الوقوف على هدف بحثنا ان شاء الله.
الحكمة بمعنى الغاية الكمالية التي ينتمي إليها الفعل وتحرز فائدته هو أن يخلق الله من المادة الأرضية الخسيسة تركيب خاص ينتهي بسلوكه في مسلك الكمال إلى جوهر علوي شريف كريم يفوق بكمال وجوده كل موجود سواه، ويتقرب إلى ربه تقربا كماليا لا يناله شئ غيره فهذه غاية النوعية الانسانية.
و أما سقوط بعض الأفراد في هذا السلوك فإنما هو مقصود ثانيا و بالعرض ليس بالقصد الأولي. و أما علمه بأن كثيرين من أفراده يكونون كفارا مصيرهم إلى النار لا يوجب أن يختل مراده من خلقه النوع الإنساني، و لا أنه يوجب أن يكون خلقه الإنسان الذي سيكون كافرا علة تامة لكفره أو لصيرورته إلى النار، كيف؟ و علة كفره التامة بعد وجوده علل و عوامل خارجية كثيرة جدا، و آخرها اختياره الذي لا يدع الفعل ينتسب إلا إليه فالعلة التي أوجدت وجوده لم توجد إلا جزء من أجزائه علة كفره، و أما تعلق القضاء الإلهي بكفره فإنما تعلق به عن طريق الاختيار لا بأن يبطل اختياره و إرادته و يضطر إلى قبول الكفر كسقوط الحجر المرمي إلى فوق نحو الأرض بعامل الثقل اضطرارا.
فالإنسان خلق هو في نفسه أعزل ليس معه شيء من السعادة و الشقاء بحسب بدء خلقته واقف في ملتقى سبيلين: سبيل الخير و الطاعة و هو سبيل الملائكة ليس لهم إلا الطاعة والذي يسوق بنهاية المطاف الى الجنة ، و سبيل الشر و المعصية و هو سبيل إبليس و جنوده و ليس معهم إلا المخالفة و المعصية والذي يسوق بنهاية المطاف الى النار، فإلى أي السبيلين مال في مسير حياته وقع فيه و رافقه أصحابه و زينوا له ما عندهم و هدوه إلى ما ينتهي إليه سبيلهم و هو الجنة أو النار و السعادة أو الشقاء.[1] .
تكليف الإنسان
وتكليف الإنسان و إن كان في نفسه أمرا وضعيا اعتباريا لا يجري في متنه الأحكام الحقيقية إلا أنه في المكلفين واسطة ترتبط بها الكمالات اللاحقة الحقيقية بسابقتها فهي وصلة بين حقيقتين..
فالتكليف يستبطن سيرا تدريجيا للإنسان بحسب حالاته و ملكاته النفسانية نحو كماله و سعادته يستكمل بِطي هذا الطريق و العمل بما فيه طورا بعد طور حتى ينتهي إلى ما هو خير له و أبقى، و يخيب مسعاه إن لم يعمل به كالفرد من سائر الأنواع الذي يسير نحو كماله فينتهي إليه إن ساعدته موافقة الأسباب، و يفسد في مسيره نحو الكمال إن خذلته و منعته. فقول القائل ”و ما الفائدة في التكليف؟” كقوله: ما الفائدة في تغذي النبات؟ أو ما الفائدة في تناسل الحيوان من غير نفع عائد؟. [2]
من هو إبليس الشيطان؟
لمعرفة من هو إبليس الشيطان لا بد لنا من الوقوف على هذين المصطلحين الذين سيكونان أساساً في فهم صلب البحث المطروح وكما يلي:
الشيطان: هي كلمة مشتقة من أصل عبري (شطن ) أي بمعنى مقاوم أو متهم [3] ولها جذور مشابهة في اللغة العربية فكلمة شطن يعني تمرد[4].
وقد قال الراغب في المفردات إن الشيطان هو كل ذي صفة ذميمة من إنسان أو جني أو حيوان ، كل ذميم مطلقا.
وقيل إن الشيطان إما من شطن (إبتعد عن الحق) وإما من شيط (إحترق غضباً) وقال أبو عبيدة إن الشيطان هو كل عات متمرد من إنس أو جن [5].
وقد غلب استعمال كلمة الشيطان في الشرائع الإبراهيمية كأسم علم للمخلوق المعروف بتمرده على الله وأوامره ولكن اختلفت التسميات من شريعة الى اخرى فهو في الإسلام إبليس وفي المسيحية لوسيفاير أو ساتان وفي اليهودية ليهوة؟؟.وفي كثير من الثقافات يعتبر الشيطان تجسيدا للشر كأصحاب الإعتقادات الثنوية من الإيزيدية والزرادشتية وغيرهم.
إبليس: إسم علم لكبير الشياطين وهو من الجن وكان يعد من مقربي الجن الى الله (وقد ارتفع الى مقام عال حيث اشترك مع الملائكة فيه حتى صار منهم)[6] وقد رفض الإنصياع لأمرالله في السجود لآدم وقد استتبع هذا الأمر طرده من رحمة الله ويعتبر هذا الإسم خاص بالشريعة الإسلامية ولم يستخدم في غيره من الشرائع [7] .
وقد فسر اللغويون العرب اصل كلمة إبليس أما من بَلَسَ أي طُرِد أووسمي إبليس لأنه المطرود من رحمة الله أو من يأس وأيضا يعنى به (اليائس من رحمة الله). وقد عزى المستشرقون الى أن اصل الكلمة هو إغريقي من Diabolos [8].
إبليس والملائكة
السؤال الذي يطرح دائما هل إن إبليس من الملائكة أم لا؟ ويترتب على الإجابة بنعم أو لا عدة إشكالات ويمكن رد الموضوع من اصله بما يلي :
حيث أن إبليس كان مع الملائكة من غير تميز له منهم ليس من حيث الخلقة ولكن من حيث المقام فالمقام الذي كان يجمعهم جميعا كان هو مقام القدس كما يستفاد من قصة ذكر الخلافة “و إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أ تجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك”[9] و إن الأمر بالسجود إنما كان متوجها إلى ذلك المقام أعني إلى المقيمين بذلك المقام من جهة مقامهم كما يشير إليه قوله تعالى في ما سيأتي: “قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها”[10] و الضمير إلى المنزلة أو إلى السماء أو الجنة و مآلهما إلى المنزلة و المقام و لو كان الخطاب متوجها إليهم من غير دخل المنزلة و المقام في ذلك لكان من حق الكلام أن يقال: “فما يكون لك أن تتكبر”.انتهى
و على هذا لم يكن بينه و بين الملائكة فرق قبل ذلك؟ و عند خلق الإنسان تميز الفريقان، و بقي الملائكة على ما يقتضيه مقامهم و منزلتهم التي حلوا فيها، و هو الخضوع العبودي و الامتثال كما حكاه الله عنهم: " بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون" فهذه حقيقة حياة الملائكة و سنخ أعمالهم، و قد بقوا على ذلك و خرج إبليس من المنزلة التي كان يشاركهم فيها كما يشير إليه قوله: “كان من الجن ففسق عن أمر ربه” و الفسق خروج التمرة عن قشرها فتميز منهم فأخذ حياة لا حقيقة لها إلا الخروج من الكرامة الإلهية و طاعة العبودية.[11]
إبليس وبني آدم
أن إبليس تعرض لهم أي لبني آدم ابتداء من غير توسيط آدم و لا تخصيصه (عليه السلام) بالتعرض حين قال على ما حكاه الله سبحانه: “فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم و من خلفهم”[12] إلخ من غير سبق ذكر لبني آدم، و لو لا أن الجميع مسجودون بنوعيتهم للملائكة لم يستقم له أن ينقم منهم هذه النقمة ابتداء و هو ظاهر. [13]
وقعوده على الصراط المستقيم ذلك لعلمه أنه ينتهي بهم الى سعادتهم إذ كان الصراط المستقيم الذي كمن لهم قاعدا عليه أمرا معنويا كانت الجهات التي يأتيهم منها معنوية لا حسية و الذي يستأنس من كلامه تعالى لتشخيص المراد بهذه الجهاد كقوله تعالى: يعدهم و يمنيهم و ما يعدهم الشيطان إلا غرورا” [14].
إبليس والمعصية
إن أول معصية عصي بها الله سبحانه هي معصية إبليس فإن جميع المعاصي ترجع بحسب التحليل إلى دعوى الإنية و منازعة الله سبحانه في كبريائه، و له رداء الكبرياء لا شريك له فيه، فليس لعبد مخلوق أن يعتمد على ذاته وأن هذا التكبر من إبليس هو تكبر على الله سبحانه دون التكبر على آدم.حيث استدل على ذلك بما يلي :
أن الملائكة لم يُدْعَوا إلى السجود لآدم(ع) لمادته الأرضية التي سوي منها، و إنما دعوا إلى ذلك لما سواه و نفخ فيه من روحه الخاص به تعالى الحاملة للشرف كل الشرف و المتعلقة لتمام العناية الربانية، و يدور أمر الخيرية في التكوينيات مدار العناية الإلهية لا لحكم من ذواتها فلا حكم إلا لله.(( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ)) الحجر 28،29
فأثبت لنفسه استقلال الإنية قبال الإنية الإلهية التي قهرت كل شيء فاستدعاه ذلك إلى نسيان كبريائه تعالى [15]و وجد نفسه مثل ربه و أن له استقلالا كاستقلاله، و أوجب ذلك أن أهمل وجوب امتثال أمره لأنه الله بل اشتغل بالمرجحات فوجد الترجيح للمعصية على الطاعة و للتمرد على الانقياد قال تعالى : ((فسجد الملائكة كلهم أجمعون* إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين))[16]
و أن الذي أظهر به تكبره هو قوله: ((أنا خير منه)) و قد تكبر فيه على ربه كما تقدم بيانه و إن كان ذلك تكبرا منه على آدم حيث إنه فضل نفسه عليه و استصغر أمره و قد خصه الله بنفسه و أخبرهم بأنه أشرف منهم في حديث الخلافة و في قوله "و نفخت فيه من روحي" و قوله "خلقت بيدي" إلا أن العناية في الآيات باستكباره على الله لا استكباره على آدم.
و من الدليل على ذلك قوله تعالى: ”و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه”: الكهف: 50
و الذي ذكره إبليس في مقام الاحتجاج:"أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين" من القياس و هو استدلال ظني لا يعبأ به في سوق الحقائق.
فليس لأحد من دون الله أن يتكبر على أحد، فالتكبر إنما هو صفة خاصة بالله سبحانه فهو الكبير المتعال على الإطلاق فمن التكبر ما هو حق محمود و هو الذي لله عز اسمه أو ينتهي إليه بوجه كالتكبر على أعداء الله الذي هو في الحقيقة اعتزاز بالله، و منه ما هو باطل مذموم و هو الذي يوجد عند غيره بدعوى الكبر لنفسه لا بالحق.
غواية ابليس وإغوائه
الإغواء : هو الإلقاء في الغي و الغي و الغواية هو الضلال بوجه و الهلاك و الخيبة
إن غواية إبليس هي من استقرار اللعنة المطلقة فيه و هي الإبعاد من الرحمة و الإضلال عن طريق السعادة و هي إغواء له أثر الغواية التي أبداها من نفسه
وأن سلطانه على إغواء من يغويه و إن كان بجعل و تسليط من الله سبحانه إلا أنه ليس بتسليط على الإغواء والإضلال الابتدائي غير الجائز إسناده إلى ساحته سبحانه بل تسليط على الإغواء بنحو المجازاة المسبوق بغوايتهم من عندهم و في أنفسهم
إنما إبليس يغوي من اتبعه بغوايته أي إن الإنسان يتبعه بغوايته أولا فيغويه هو ثانيا فهناك غواية بعدها إغواء و الغواية إجرام من الإنسان و الإغواء بسبب إبليس مجازاة من الله سبحانه.
و لو كان هذا الإغواء إغواء ابتدائيا من إبليس لمن لا يستحق ذلك لكان هو الأليق باللوم دون الإنسان كما يذكره يوم القيامة على ما يحكيه سبحانه بقوله: ”و ما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني و لوموا أنفسكم”الآية [17].
فاللوم على الإنسان المجرم و هو مسئول عن معصيته دون إبليس.
إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون”[18] ، و قال تعالى و هو أوضح ما يؤيد جميع ما قدمناه: ”كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله و يهديه إلى عذاب السعير” [19].
فأنه لعنه الله ادعى لنفسه الاستقلال في إغوائهم كما يظهر من قوله: ”لأغوينهم” في سياق المخاصمة و التقريع بالانتقام و الله سبحانه يرد عليه بأنه منه مزعمة باطلة و إنما هو عن قضاء من الله و سلطان بتسليطه و إنما ملكه إغواء من اتبعه و كان غاويا في نفسه و بسوء اختياره.
فلم يأت إبليس بشيء من نفسه و لم يفسد أمرا على ربه لا في إغوائه أهل الغواية فإنه بقضاء من الله سبحانه أن يستقر لأهل الغواية غيهم بسببه - و قد اعترف لعنه الله بذلك بعض الاعتراف بقوله: ”رب بما أغويتني” - و لا في استثنائه المخلصين فإنه أيضا بقضاء من الله نافذ فلا حكم إلا لله.
سلطان إبليس
والسلطان - كما ذكره الراغب - هو السلاطة هو التمكن من القهر، و تسمى الحجة أيضا سلطانا لما فيها من التمكن من قهر العقول على ما لها من النتائج، و كثيرا ما يطلق و يراد به ذو السلطان كالملك و غيره.
وقد قال تعالى على لسان ابليس لع(وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم )
فإن الدعوة إلى فعل ليست تسلطا من الداعي على فعل المدعو و إن كان نوع تسلط على نفس الدعوة،
و الظاهر أيضا أن يكون الاستثناء في قوله: ”إلا أن دعوتكم” منقطعا و المعنى لكن دعوتكم من غير أي سلطان فاستجبتم لي، و دعوته الناس إلى الشرك و المعصية و إن كانت بإذن الله لكنها لم تكن تسليطا و من الدليل عليه قوله تعالى فيما يأذن له ”و استفزز من استطعت منهم بصوتك - إلى أن قال - و عدهم و ما يعدهم الشيطان إلا غرورا إن عبادي ليس لك عليهم سلطان و كفى بربك وكيلا” [20] [21]
وقد نفى الشيطان عن نفسه كل سلطان إلا :(1) السلطان على الدعوة والوعد الكاذب
(2) وفي حال اتباع الإنسان له كما قال تعالى: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين "[22] فنفى سبحانه سلطانه إلا في ظرف الاتباع ونظيره قوله تعالى: ((قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد)) [23].
فقد وعد إبليس أولياءه بالأهواء اللذيذة و الآمال الطويلة و أنساهم الموت و صرفهم عن البعث و الحساب و خوفهم الفقر و الذلة و ملامة الناس، و كان مفتاحه في جميع ذلك إغفالهم عن مقام ربهم و تزيين ما بين أيديهم من الأسباب مستقلة بالتأثير خالقة لآثارها و تصوير نفوسهم لهم في صورة الاستقلال مهيمنة على سائر الأسباب تدبرها كيف شاءت فتغريهم على الاعتماد بأنفسهم دون الله و تسخير الأسباب في سبيل الآمال و الأماني.
وبالجملة فإن تصرفه في إدراك الانسان تصرف طولي لا ينافي قيامه بالانسان وانتسابه إليه انتساب الفعل إلى فاعله لا عرضي ينافي ذلك.
فله أن يتصرف في الادراك الانساني بما يتعلق بالحياة الدنيا في جميع جهاتها بالغرور والتزيين فيضع الباطل مكان الحق ويظهره في صورته فلا يرتبط الانسان بشئ إلا من وجهه الباطل الذي يغره ويصرفه عن الحق، وهذا هو الاستقلال الذي يراه الانسان لنفسه أولا ثم لسائر الأسباب التي يرتبط بها في حياته فيحجبه ذلك عن الحق ويلهوه عن الحياة الحقيقية ويؤدي ذلك إلى الغفلة عن مقام الحق وهو الأصل الذي ينتهي ويحلل إليه كل ذنب قال تعالى: " ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الإنس والجن لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالانعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون "[24]
و هذا هو التسلط الذي يثبته الله سبحانه له في قوله: ”إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا و على ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه و الذين هم به مشركون” [25](فضمائر الافراد الثلاثة للشيطان أي ينحصر سلطان الشيطان في الذين يتخذونه وليا لهم يدبر أمورهم كما يريد وهم يطيعونه وفي الذين يشركون به إذ يتخذونه وليا من دون الله وربا مطاعا غيره فان الطاعة عبادة) [26]
أو قوله: ”إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين” [27]، و الآيات ظاهرة في أن سلطانه متفرع على الاتباع و التولي و الإشراك لا بالعكس.
ويظهر أيضا أن الإنسان هو المسئول عن عمله لأن السلطان له لا لغيره فلا يلومن إلا نفسه، و أما رابطة التابعية و المتبوعية فهي وهمية لا حقيقة لها و سيظهر هذه الحقيقة يوم القيامة عند ما يتبرأ منه الشيطان و يعيد لائمته إلى نفسه.
كيف يعمل إبليس
بعد التعرف على من هو إبليس وارتباطه بالملائكة وبني آدم وغوايته وإغوائه وسلطنته فلابد من معرفة الوسائل التي يستخدمها لتحقيق غاياته واهدافه وهي كما يلي :
1- الوسوسة : هي الدعاء إلى أمر بصوت خفي (الذي يوسوس في صدور الناس) [28]
2- الغرور: لغة : إظهار النصح مع إبطان الغش واصطلاحا : اظهار الحق في صورة الباطل والعكس صحيح ويكنى بالتزيين والتغرير يقع في المعاصي.
3- الاحتناك : أي الالجام الذي ذكره فيما حكاه الله تعالى عنه بقوله: " قال أ رأيتك هذا الذي كرمت علي... لاحتنكن ذريته إلا قليلا قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا " أسرى: 64، أي لألجمنهم فأتسلط عليهم تسلط راكب الدابة الملجم لها عليها يطيعونني فيما آمرهم ويتوجهون إلى حيث أشير لهم إليه من غير أي عصيان وجماح [29] .
4 -استعمال الجند والذرية : يظهر من الآيات القرآنية الكريمة أن له جندا يعينونه فيما يأمر به ويساعدونه على ما يريد وهو القبيل الذي ذكر في الآية السابقة: " إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم " وهؤلاء وإن بلغوا من كثرة العدد وتفنن العمل ما بلغوا فإنما صنعهم صنع نفس إبليس ووسوستهم نفس وسوسته كما يدل عليه قوله: " لأغوينهم أجمعين "
على أن في جنده بعض الإختلافات فالأول ان فيهم اختلافا من حيث كون بعضهم من الجنة وبعضهم من الانس ويدل قوله: " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو " الكهف: 50، أن له ذريه هم من أعوانه وجنوده لكن لم يفصل كيفية انتشاء ذريته منه.
كما أن هناك نوعا آخر من الاختلاف يدل عليه قوله: " وأجلب عليهم بخيلك ورجلك " الآية ، وهو الاختلاف من جهة الشدة والضعف وسرعة العمل وبطؤه فإن الفارق بين الخيل والرجل هو السرعة في اللحوق والادراك وعدمها.
وهناك نوع آخر من الاختلاف في العمل، وهو الاجتماع عليه والانفراد كما يدل عليه أيضا قوله تعالى: " وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون " المؤمنون: 98
أما ولايتهم فولاية الواحد منهم إما لبعض الناس دون بعض أو في بعض الأعمال دون بعض و أما ولاية على نحو العونية فهو العون، و الأصل الذي ينتهي إليه أمر الإضلال و الإغواء هو إبليس[30].
تأثير الشيطان في نفوس الأنبياء
أن الأنبياء لعصمتهم لا بد أن يعرفوا الفرق بين كلام الملك و وسوسة الشيطان، و لا يجوز أن يتلاعب الشيطان بهم حتى يختلط عليهم طريق الإفهام.
و هو كلام حق لكن يجب أن يعلم أن تعرفهم إنما هو بتعريف الله تعالى لهم لا من قبل أنفسهم و استقلال ذواتهم، و إذا كان كذلك فلم لا يجوز أن يتعرف زكريا من ربه أن يجعل له آية يعرف به ذلك؟ و أي محذور في ذلك؟ نعم لو لم يستجب دعاءه و لم يجعل الله له آية كان الإشكال في محله.
فإن الشيطان و إن أمكن أن يمس الأنبياء في أجسامهم أو بتخريب أو إفساد في ما يرجونه من نتائج أعمالهم في رواج الدين و استقبال الناس أو تضعيف أعداء الدين كما يدل عليه قوله تعالى: ”و اذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب و عذاب”: ص - 41، و قوله تعالى: ”و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته” الآية: الحج - 52، و قوله تعالى: ”فإني نسيت الحوت و ما أنسانيه إلا الشيطان: الكهف - 63.
لكن هذه و أمثالها من مس الشيطان و تعرضه لا تنتج إلا إيذاء النبي و أما مسه الأنبياء في نفوسهم فالأنبياء معصومون من ذلك.
فيكون سؤالهم عليهم السلام هو لازدياد الطمأنينة والوثوق.
ثم إن الأنبياء و من يتلوهم ربما تيسر لهم مشاهدة الملك و الشيطان و معرفتهما كما حكى الله تعالى عن آدم و إبراهيم و لوط فأغنى ذلك عن استعمال المميز، و أما مع عدم المشاهدة فلا بد من استعماله كسائر المؤمنين، و ينتهي بالأخرة إلى تمييز الوحي و هو ظاهر[31].
ولكن لابد أن يعلم ان استثناء الأنبياء من تأثير الشيطان في قلوبهم إنما هو استثناء من الإغواء فقط لا منه و من التزيين بمعنى أنه لعنه الله يزين للكل لكن لا يغوي إلا غير المخلصين[32].
ولاية الملائكة وولاية الشياطين
إن ولاية الشيطان على الانسان في المعاصي والمظالم نظير ولاية الملائكة على الإنسان في الطاعات والقربات، قال تعالى: " إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون " [33]
وعمل الملائكة كعمل ابليس ولكن في جانب الخير : قال تعالى: " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياءكم في الحياة الدنيا " حم السجدة: 31، والله من ورائهم محيط وهو الولي لا ولي سواه قال تعالى: " ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع " السجدة: 4. وتعود ولاية الشيطان والملائكة كلها لله إذ لا ولاية إلا لمن ولاه الله أمره. [34]
الى متى أمهل الله إبليس؟
إن الذي يظهر من كلامه تعالى أنه عليه اللعنة قد أمهل بالتقييد لا بالإطلاق الذي ذكره فلم يمهل إلى يوم البعث بل ضرب الله لمهلته أجلا دون ذلك و هو يوم الوقت المعلوم، ومدة الإستمهال : و استمهاله إلى يوم البعث يدل على أنه كان من همه أن يديم على إغواء هذا النوع في الدنيا و في البرزخ جميعا حتى تقوم القيامة فلم يجبه الله سبحانه إلى ما استدعاه بل لعله أجابه إلى ذلك إلى آخر الدنيا دون البرزخ فلا سلطان له في البرزخ سلطان الإغواء و الوسوسة و إن كان ربما صحب الإنسان بعد موته في البرزخ مصاحبة الزوج و القرين كما يدل عليه ظاهر قوله تعالى: ”و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين و إنهم ليصدونهم عن السبيل و يحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني و بينك بعد المشرقين فبئس القرين و لن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون”: الزخرف: 39، و ظاهر قوله: ”احشروا الذين ظلموا و أزواجهم”: الصافات: 22.
و أن إنظار إبليس إلى يوم الوقت المعلوم ليس من تقديم المرجوح على الراجح و لا إبطالا لقانون العلية بل ليتيسر به و بما يقابله من بقاء الملائكة ما هو الواجب من أمر الامتحان و الابتلاء فلا محل للاستشكال[35].
الخطوات العملية لحرب إبليس وجنوده
أن الذي يمسه الشيطان من بني آدم – كما بيننا - هو الشعور الإنساني و تفكره الحيوي المتعلق بتصورات الأشياء و التصديق بما ينبغي فعله أو لا ينبغي .
ولهذا أمر الله بني آدم أن يتخذوا الشيطان عدوا بما أبرز هو من معاداة لبني آدم وذلك في قوله تعالى" إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنه يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير " [36] ولا بد على الإنسان أن يخوض هذه المعركة الجبارة بين إرادته وعقله وبين الشيطان وهوى نفسه وتسمى هذه المعركة ب(جهاد النفس)ولذا أطلق عليها رسول الله مصطلح ((الجهاد الأكبر)) كما في الحديث المأثور.
أولا : تمييز الوساوس الشيطانية عن الإلهامات الملكية
إن الخواطر الواردة على القلوب، نسبت إلى الشيطان، و سميت بالأمر و القول و الوسوسة و الوحي و الوعد، و جميعها قول و كلام و لم تخرج عن شق فم و لا تحريك لسان.
و منها يعلم: إن ما وعده تعالى من المغفرة و الفضل قبال وعد الشيطان هو الكلام الملكي في قبال الوسوسة من الشيطان، و قد سماه تعالى الحكمة، كما في قوله تعالى ((الشيطان يعدكم الفقر والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم* يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ))البقرة 269
وللتفريق بين الخواطر الشيطانية والملكية هناك أمور لابد من ذكرها:
1- معرفة الخير والشر وكذلك تحصيل العلوم والادراكات التي هي في الموضوعات العالية والاعيان الشريفة كالعلم بالله وملائكته ورسله، واليوم الآخر، والبعث، وقيام الساعة، ومثول الخلائق بين يدي الله تعالى، وحضور الملائكة والنبيين والشهداء والصالحين، في مقابلة تحصيل العلوم والادراكات التي هي من باب الحيل والخديعة والسفسطة، والتأمل في أمور الدنيا الغير الخارجة عن دار المحسوسات[37].
2- إن الخاطر الملكي يصاحب انشراح الصدر، و يدعو إلى المغفرة و الفضل، و ينتهي بالأخرة إلى ما يطابق دين الله المبين في كتابه و سنة نبيه، و الخاطر الشيطاني يلازم تضيق الصدر، و شح النفس و يدعو إلى متابعة الهوى، و يعد الفقر، و يأمر بالفحشاء، و بالأخرة ينتهي إلى ما لا يطابق الكتاب و السنة، و يخالف الفطرة [38].
3- النظر إلى آيات الآفاق والأنفس على سبيل النظام والاحكام المزيل للشكوك والأوهام، والمحصل للمعرفة والحكمة في القوة العاقلة هي جانب الايمن من النفس ويقابله النظر إليها على سبيل الاشتباه والفغلة والاعراض عنها [39] وهو الذي نستطيع ان نطلق عليه اسم ((التفكر))
ثانيا: الإستعاذة بالله
ولاسبيل الى رد عمل إبليس عليه اللعنة إلا بالاستعاذة بالله منه ولمعرفة كيفية الإستعاذة لابد لنا من فهمها
فالإستعاذة:طلب المعاذ أو بمعنى الالتجاء والإستعاذة بالله من الشيطان الرجيم هو الطلب من الله بأن يعيذك من إغواء الشيطان عليه اللعنة [40] .
ولتحقق الإستعاذة في نفوسنا لابد من تحقق أمور ثلاثة:
الأول : الإيمان بالربوبية بأن لا مالك مدبر في هذا الوجود اليه يرجع أمر التدبير غيره.
الثاني : الإيمان بأن السلطان كله لله تعالى لا لغيره وإن كان للشيطان أي شكل من السلطنة على الإنسان فإنما هو بتسليط الله اياه لا باستقلال ذاته
الثالث : الإيمان بالألوهية له تعالى بأنه المعبود الحق لا مطاع سواه
وبهذه الأمور الثلاثة يسقط اي تأثير للشيطان في نفس الإنسان ولايبقى مجال له كي يلقي بوساوسه الخفية والجلية في قلوب المؤمنين بما تقدم من النقاط أعلاه وهذا كله نجده جليا واضحا جليا في الآيات الكريمات من سورة الناس ((قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * اله الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس )) [41] .
ثالثا : السير والسلوك في سبيل الله
ان السير الى الله والقرب منه هو الهدف الأسمى لتحقيق غاية الخلقة وبها يحصل الإنسان على كماله ولكن لهذا السير قواعد وضوابط فلا بد من توفر عدة أمور نذكرها على وجه العجالة لأنها مما ألف فيه الكتب :
1. اليقظة : وهي الخلاص من الغفلة من ثلاث أمور: المبدأ والمعاد والطريق بينهما وهي التوحيد والمعاد والنبوة
2. التوبة : وهي ركن أساس لقلع جذور ومنابت عمل الشيطان وهي وهي الرجوع الاختياري عن السيئة الى الطاعة والعبودية لذلك فهي تختص بالدنيا دون الآخرة ولكونها تشكل حجر الزاوية في المعركة ويشترط فيها ترك الفعل في الحال والندم على ما مضى من الأفعال والعزم (الاصرار) على عدم الرجوع في المستقبل لمثل هذا الذنب.
3. المحاسبة وهي ان يحاسب الانسان نفسه على ما صدر منها بصورة اجمالية وتفصيلية كما يحاسب الشريك شريكه والبحث عن العلاجات والمعاقبات الملائمة لكل معصية بحسبها.وهي أحد موانع الغفلة التي يريد الشيطان أي يجعله على دوامية فيها.
4. التفكر: وهو فعالية ذهنية تقوم بترتيب الامور المعلومة والبديهيات للوصول الى النتائج المجهولة , أي أن ناتج التفكر هو علم ايضا وهو الذي يمكن ان نميز به بين الوساوس الشيطانية والخواطر الملكية.
5. الذكر: وهو ذكر الله بصفاته ونعمائه وتفضله على الإنسان ويكون بالقلب قبل اللسان فالذكر يطهر الذاكر فأن كان القلب يطهر القلب وما يليه من أعمال وان كان ذكرا في اللسان فالذي يطهر هو اللسان لا غير [42]. فاذا اشتغل الإنسان وجوارحه بذكر الله فلا مجال للشيطان لأن يتسلط عليه.
وبكلمات اخرى يمكننا ان نقول :
لما كانت الافعال الانسانية (بنوعيها طاعة الله تعالى او معصيته) تنتهي لا محالة الى الخواطر القلبية (الهامية ملكية او وسوسة شيطانية)، كان كبح الوساوس الشيطانية هو أهم سبل الانسان لنيل السعادة. والرذائل القلبية هي مشتهيات الشيطان، فالقلب المشبع بالرذائل مرتع الشيطان ومسكنه ولا سبيل لطرد الشيطان منه الا بتخلية القلب من الرذائل والتحلية بالفضائل (والطرق الى تحصيل ذلك يفصلها علماء الاخلاق). متى ما طرد الشيطان من القلب، ما عاد يوسوس من داخل النفس الا انه مازال يوسوس من خارج ويبث الخواطر والوساوس في القلب. ولا قاطع كلي لجميع الوساوس الشيطانية الا بدوامية الانشغال التام بذكر الله تعالى والانصراف عن ذكر غيره حتى لا مكان للخواطر الشيطانية في القلب البتة.
صار الان المسلك الى قطع وساوس الشيطان وخواطره هما امران التخلية من الرذائل وتحلية القلب بالفضائل ثم ذكره تعالى عز وجل.
وقد يبدو من العسير ادراك حالة الانشغال الدائم التام بذكر الله مع مشاغل الانسان في الحياة وتغير ما يعرض عليه ليلا ونهارا، لذا ورد ان الطريق لتحصيل مراتب عالية من الذكر حتى الوصول الى التام منه يتضمن امور منها المدوامة على الاوراد العبادية المأثورة، والاكثار من العبادات الجوارحية، ومصاحبة ومجالسة اهل العلم والتقوى والذاكرين لله تعالى، هذا مصاحبا لسير باطني لهذا الانسان، ملقنا نفسه المعارف الحقة والمفاهيم العالية، شاغلا نفسه بالتفكر في اياته عز وجل في الافاق والانفس، متدبرا في كلامه تعالى، دارسا للصحيح من احاديث وروايات النبي (ص) واله الاطهار، فضلا عن محاسبة النفس فاحصا لباطن قلبه لضمان خلوه من الرذائل واشتماله على جميع الفضائل من جانب، ومراقبا لجوارحه الظاهرة للاطمئنان على انصرافها عن كل معصية واتيانها الطاعات.
هذا ما ذكر ملخصا في معالجة وساوس الشيطان وقطعها كليا.
شبهات وردود
1- لماذا لعن الله ابليس و أوجب عقابه بعد المعصية و لا فائدة له فيه ؟
جوابه أن اللعن و العقاب أعني ما يشتملان عليه من الحقيقة من لوازم الاستكبار على الله الذي هو الأصل المولد لكل معصية، و ليس الفعل الإلهي مما يجر إليه نفعا أو فائدة حتى يمتنع فيما لا نفع فيه يعود إليه كما تقدمت الإشارة إليه. و ليس قوله هذا إلا كقول من يقول فيمن استقى سما و شربه فهلك به: لم لم يجعله الله شفاء!!؟
2- لم سلطه على بني آدم و مكّنه من إغوائهم و إضلالهم؟
فقد ظهر جوابه مما تقدم فإن الهدى و الحق العملي و الطاعة و أمثالها إنما تتحقق مع تحقق الضلال و الباطل و المعصية و أمثالها، و الدعوة إلى الحق إنما تتم إذا كان هناك دعوة إلى باطل، و الصراط المستقيم إنما يكون صراطا لو كان هناك سبل غير مستقيمة تسلك بسالكها إلى غاية غير غايته. فوجود إبليس من خدم النوع الإنساني ومعنى كون العالم خاليا من الشر مأمونا من الفساد كونه مجردا غير مادي، فانتفى بذلك سبب الوجود.
و ليت شعري ما أغفل الناس عن آيات الامتحان و الابتلاء على كثرتها كقوله تعالى: ”ليميز الله الخبيث من الطيب”: الأنفال: 37، و قوله: ”و ليبتلي الله ما في صدوركم و ليمحص ما في قلوبكم”: آل عمران: 154، و غيرهما من الآيات الدالة على أن نظام السعادة و الشقاء و الثواب و العقاب مبني على أساس الامتحان و الابتلاء، و الإنسان واقع بين الخير و الشر و السعادة و الشقاء له ما يختاره من العمل بنتائجه.
فلو لا أن يكون هناك داع إلى الخير و هم الملائكة الكرام و إن شئت فقل: هو الله، و داع إلى الشر و هم إبليس و قبيله لم يكن للامتحان معنى قال تعالى: ”الشيطان يعدكم الفقر و يأمركم بالفحشاء و الله يعدكم مغفرة منه و فضلا”: البقرة: 268.
و لئن أيده بالتمكين بتزيين الباطل من الكفر و الفسوق للإنسان أيد الإنسان بأن هداه إلى الحق و زين الإيمان في قلبه و فطرة على التوحيد، و عرفه الفجور و التقوى، و جعل له نورا يمشي به في الناس إن آمن بربه إلى غير ذلك من الأيادي
الخاتمـــة
أن إبليس لعنه الله موجود مخلوق ذو شعور وإرادة يدعو إلى الشر ويسوق إلى المعصية كان في مرتبة مشتركة مع الملائكة غير متميز منهم إلا بعد خلق الانسان وحينئذ تميز منهم ووقع في جانب الشر والفساد، وإليه يستند نوعا من الاستناد انحراف الانسان عن الصراط المستقيم وميله إلى جانب الشقاء والضلال، ووقوعه في المعصية والباطل كما أن الملك موجود مخلوق ذو إدراك وإرادة إليه يستند نوعا من الاستناد اهتداء الانسان إلى غاية السعادة ومنزل الكمال والقرب، وإن لإبليس أعوانا من الجن والإنس وذرية مختلفي الأنواع يجرون بأمره إياهم أن يتصرفوا في جميع ما يرتبط به الانسان من الدنيا وما فيها بإظهار الباطل في صورة الحق، وتزيين القبيح في صورة الحسن الجميل. ومعصيته تجلت في تكبره على ربه و إن كان ذلك تكبرا منه على آدم وبذلك تحققت غوايته وبها توعد بإغواء بني آدم بوسائله المعهودة وقد نفى الشيطان عن نفسه كل سلطان إلا السلطان على الدعوة والوعد الكاذب وفي حال اتباع الإنسان له أن الإنسان هو المسئول عن عمله لأن السلطان له لا لغيره فلا يلومن إلا نفسه، و أما رابطة التابعية و المتبوعية فهي وهمية لا حقيقة لها و سيظهر هذه الحقيقة يوم القيامة عند ما يتبرأ منه الشيطان و يعيد لائمته إلى نفسه .
ولرد كيد الشيطان لابد لنا التسلح بسلاح العلم والمعرفة و الإستعاذة بالله منه بتحقق الإيمان في الربوبية والإلوهية والسلطنة الإلهية في القلوب والتوكل على الله والتوجه اليه والسير في سبيله سائلين الله أن يكون هذا البحث هو حجر أساس لمشروع فكري هدفه محاربة هذا العدو اللدود .
ومن يتوكل على الله هو حسبه إنه نعم المولى ونعم النصير.الفهرس
المقدمة ..................................................... 1
الحكمة من خلق الإنسان ................................... 2
إبليس الشيطان .............................................. 3
إبليس والملائكة ............................................. 3
إبليس وبني آدم .............................................. 4
إبليس والمعصية ............................................ 5
سلطان إبليس ................................................ 5
كيف يعمل إبليس ............................................ 6
تأثير الشيطان في نفوس الأنبياء ........................... 7
ولاية الشياطين وولاية الملائكة
الى متى أمهل الله إبليس .................................... 8
الخطوات العملية لمحاربة ابليس عليه اللعنة................ 9
شبهات وردود ............................................. 11
الخاتمة ...................................................... 12المصادر
1. ويكيبيديا – الموسوعة البشرية الكبرى على شبكة الإنترنت
2. الميزان في تفسير القرآن – العلامة محمد حسين الطباطبائي
3. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل – ناصر مكارم الشيرازي
4. جامع السعادات - الشيخ الناراقي
5. قاموس الكتاب المقدس
6. قاموس المعاني
7. الباحث العربي – موقع إنترنت جامع للقواميس اللغة العربية
8. قاموس اكسفورد – للكلمات الدينية
[1] الميزان في تفسير القرآن ج 8ص 49
[2] الميزان في تفسير القرآن ج 8 ص49
[3] قاموس الكتاب المقدس
[4] قاموس المعاني
[5] ويكيبيديا – مادة شيطان
[6] الميزان في تفسير القرآن ج8
[7] الباحث العربي
[8] قاموس اكسفورد – للكلمات الدينية ص 273
[9] سورة البقرة آية 30
[10] سورة الأعراف اية 13
[11] الميزان ج8(كلام في إبليس وعمله)
[12] سورة الأعراف 18
[13] الميزان ج8 (كلام في ابليس وعمله)
[14] سورة النساء 120
[15] سورة ص آية 76
[16] سورة الحجر آية 30،31
[17] سورة إبراهيم الآية 22
[18] الأعراف 27
[19] سورة الحج الآية 4
[20] سورة الإسراء الآية 65
[21] تفسير الميزان سورة ابراهيم الاية 22
[22] سورة الحجر الآية 42
[23] سورة ق الآية 27
[24] سورة الأعراف 179
[25] سورة النحل آية 100
[26] الميزان ج 12 ص 343
[27] سورة الحجر الآية 42
[28] تفسير الميزان ج 8 ص 35
[29] تفسير الميزانن ج13 ص 141
[30] الميزان ج8 (كلام في إبليس وعمله)
[31] الميزان ج3 ص 207
[32] الميزان ج 12
[33] سورة الأعراف آية 27
[34] تفسير الميزان ج8 (كلام في إبليس وعمله)
[35] تفسير الميزان ج 13 ص 140
[36] سورة فاطر الآية 6
[37] جامع السعادات باب القوة العاقلة
[38] الميزان ج3 ص207
[39] جامع السعادات
[40] الميزان ج 12 ص 343-344
[41] تفسير الأمثل (سورة الناس ) ج 20
[42] السير الى الله : الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
محرم الحرام 1432 هجرية - 2010
huda-n.com