قس بن ساعد الايادي
 
قس بالضم ابن ساعدة  (1) بن حداق بن زهر بن اياد بن نزار ، عمر خمسمائة عام وقيل ستمائة عام (2) .
مرقده في "روحين " قرية من قرى جبل عامل ، وقد حدثنا عن قبره بعض اصحابنا الافاضل من العامليين انه معروف عندنا ومأثور الى اليوم.   قال ياقوت الحموي : " روحين " بضم اوله وسكون ثانيه وكسر الحاء قرية من جبل لبنان قريبة من حلب ، وفي لحف الجبل مشهد مليح يزار يقال : ان فيه قس بن ساعدة الأيادي ، وهو مشهود و مقصود للزيارة ، وينذرون له نذورا وعليه وقف ، وقيل في روحين قبر شمعون الصفا وليس بثبت ، فان قبر شمعون اتفقوا على انه في " رومية الكبرى " في كنيسها العظمى في تابوت من فضة معلق بسلاسل في سقف الهيكل  (3) .
 

وذكروا ان قسا كان حكيما بليغا يضرب بحكمته الامثال ، وكان موحدا يدين بالوحدانية وعلى دين المسيح (ع) ، وكان يعرف منقذ الانسانية ومصلحها النبي محمد (ص) باسمه ونسبه ، ويبشر الناس بخروجه ، وانه ادرك رأس الحواريين شمعون و لوقا و يوحنا ، وقد لبس المسوح ، وسكن البراري والقفار ، وهو يضج بالتسبيح لله تعالى ، ولا يفتر من الرهبانية ، وكان كثيرا ما يعبد الله تعالى في القفر في مسجد له صنعه بين قبري اخوين له كانا يعبدان الله سبحانه معه وماتا ودفنهما ههنا .
 

روي الشيخ الصدوق في" اكمال الدين " عن ابيه عن سعد عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن العلاء عن محمد مسلم عن الامام ابي جعفر الباقر (ع) قال :
 

" بينا رسول الله (ص) ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكة ، اذ اقبل عليه وفد فسلموا عليه فقال (ص) من القوم ؟ قالوا : من وفد بكر بن وائل قال : فهل عندكم علم من خبر قس بن ساعدة الايادي ؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال : فما فعل ؟ قالوا مات ، قال رسول الله (ص) : " الحمد لله رب الموت ورب الحياة ، كل نفس ذائقة الموت ، كأني انظر الى قس بن ساعدة الأيادي وهو بسوق عكاظ على جمل له احمر وهو يخطب الناس ويقول : اجتمعوا ايها الناس فاذا اجتمعتم فأنصتوا ، واذا أنصتم فاستمعوا فاذا سمعتم فعوا ، واذا وعيتم فاحفظوا ، فاذا حفظتم فاصدقوا ، إلا ان من عاش مات ، ومن مات فات ، ومن فات فليس بآت ، ان في السماء خبرا ، وفي الارض عبرا ، سقف مرفوع ، ومهاد موضوع ، ونجوم تمور ، وليل يدور ، وبحار ماء لا تغور .
 

يحلف قيس ما هذا بلعب ، وان من وراء هذا لعجبا ، مالي ارى الناس يذهبون فلا يرجعون ، ارضوا بالمقام فأقاموا ؟ ام تركوا فناموا ؟  يحلف قس يمينا غير كذابة ان لله دينا هو خير من الدين الذي انتم عليه ، قال رسول الله (ص) " رحم الله قسا يحشر يوم القيامة امة واحدة " (4)  ثم قال (ص) : " هل فيكم احد يحسن من شعره شيئا " فقال بعضهم سمعته يقول


                               في   الاوليين   الذاهبين               من القرون  لنا  بصائر
                               لما رأيت مواردا للموت               ليس     لها      مصادر
                               ورأيت   قومي   نحوها               يمض الاكابر والاصاغر
                               لا يرجع   الماضي  الي               ولا  من  الماضين  غابر
                               ايقنت   اني   لا  محالة               حيث  صار  القوم صائر
 
وروي الصدوق في " إكمال الدين " ايضا عن الحسن بن عبد الله عن الحسين بن الحسن بن علي بن اسماعيل عن محمد بن زكريا عن عبد الله بن الضحاك عن هشام عن ابيه : ان وفدا من إياد قدموا على رسول الله (ص) فسالهم عن حكم قس بن ساعدة فقالوا قال شعرا منه قوله :
 
                        يا ناعي الموت والاموات في جدث        عليهم  من  بقايا  تربهم خرق
                       دعهم  فان   لهم  يوما  يصاح  بهم         كما  ينبه  من نوماته  الصعق  
                       منهم   عراة   ومنهم   من   ثيابهم         منها جديد ومنها الآن ذو الخلق
 
وروي عن الجارود بن المنذر العبدي


قال : اقبلت على رسول الله (ص) وهو يتلألأ وجهه نورا وسرورا فقلت :  يا رسول الله ان قسا كان ينتظر زمانك ، ويتوكف إبانك ، ويهتف باسمك واسم  ابيك وامك واسماء لست اصيبها معك  ولا اراها فيمن اتبعك ،

قال سلمان : فاخبرنا
قلت : يا رسول الله لقد شهدت قسا وقد خرج من ناد من اندية إياد الى صحصح ذي قتاد وسمر وعتاد وهو مشتمل بنجاد فوقف في اضحيان ليل كالشمس رافعا الى السماء وجهه واصبعه فدنوت منه فسمعته يقول :
( اللهم رب هذه السبعة الارقعة ، والارضين الممرعة ، وبمحمد والثلاثة المحامدة معه ، والعليين الاربعة ، وسبطيه النيعة الارفعة ، والسري الالمعة ، وسمي الكليم الضرعة ، اولئك النقباء الشفعة ، والطرق المهيعة ، درسة الانجيل وحفظة التنزيل ، على عدد النقباء من بني اسرائيل ، محاة الاضاليل ، ونفاة الاباطيل ، الصادقون القيل ، عليهم تقوم الساعة وبهم تنال الشفاعة ، ولهم من الله فرض الطاعة ، ثم قال : اللهم ليتني مدركهم ولو بعد لأي من عمري ومحياي" ثم قال : قلت : يا رسول الله انبئني عن هذه الأسماء ؟ فقال يا رسول الله (ص) : " يا جارود ليلة اسري بي الى السماء اوحى الله تعالى الي ان اسأل من ارسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا فقلت على ما بعثتم ؟ فقالوا : على نبوتك وولاية علي بن ابي طالب والائمة (ع) منكما ، ثم اوحى الي ان التفت عن يمين العرش فالتفت فاذا علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور يصلون ، فقال لي الرب تعالى : هؤلاء الحجج أوليائي وهذا المنتقم من اعدائي) .

 

فقال لي سلمان الفارسي : يا جارود هؤلاء المذكورون في التوراة والانجيل والزبور ، فانصرفت بقومي.
ذكره الشيخ المجلسي في البحار .

 _____________________________________________________                            
الهامش
1-    ابن عمرو بن عدي بن مالك ، من بني اياد ، احد حكماء العرب ومن كبار خطباءهم في الجاهلية ، وكان اسقف نجران ، ويقال : انه اول عربي خطب متوكئا على سيف او عصا ، واول من قال في كلامه (اما بعد) وكان يفد على قيصر الروم زائرا فيكرمه ويعظمه ، وهو معدود من المعمرين طالت حياته وادركه النبي (ص) قبل النبوة " الاعلام " للزركلي 6: 9 .
2-    ومن المعمرين الذين ادركوا الإسلام هو دويد بن زيد عاش اربعمائة وخمسين عام ، الذي ارتجز وهو لا يعقل محتضرا ومنه قوله :
                                  اليوم تبنى لدويد بيته         لو كان للدهر بلى ابليته
             ذكره الفيروزآبادي في (القاموس المحيط) مادة (الدودة) .
3- معجم البلدان 4:297 . 
4- وقس بن ساعدة الايادي بليغ حكيم ومنه الحديث " يرحم الله قسا لأرجو يوم القيامة ان يبعث امة وحدة " القاموس المحيط مادة " النفس " .

 المصدر : مراقد المعارف ج 2 ص 175-179

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com