فأبشروا ثم أبشروا، فإن الله قد خصكم (في يوم الغدير) بما لم يخص به الملائكة والنبيين والمرسلين

اسعد الله دنياكم واخرتكم بعيد الولاية الربانية وافاض عليكم من انوارها وبركاتها وخيراتها وجعلنا من المتمسكين والثابتين على خط الولاية ومن السائرين على نهجها انه سميع مجيب. وتقبلوا هدية العيد مني في هذا الحديث المبارك عن امير المؤمنين ع
عن ميثم التمار قال: بينما أنا في السوق إذ أتى أصبغ ابن نباته قال: يا ميثم لقد سمعت من أمير المؤمنين (ع) حديثا صعبا شديدا، قلت: وما هو؟ قال: سمعته يقول:
[إن حديث أهل البيت صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان].
قال ميثم، فقمت من فورتي (أي حالا دون ان انتظر أو ألبث قليلا) فأتيت عليا ع فقلت: يا أمير المؤمنين، حديث أخبرني به أصبغ عنك قد ضقت به ذرعا، فقال ع ما هو؟ فأخبرته به، فتبسم ع ثم قال:
[اجلس يا ميثم، أو كل علم يحتمله عالم؟ (اي حتى العلماء احيانا يشق عليهم تقبل العلم)،إن الله تعالى قال للملائكة:﴿إِنّي جاعِلٌ في الْأَرْضِ خَليفَةً، قالُوا أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ؟ قالَ إِنّي أَعْلَمُ مالا تَعْلَمُونَ﴾ فهل رأيت الملائكة احتملوا العلم ؟
فقال ميثم: وإن هذا أعظم من ذلك !
فقال ع : والاخرى أن موسى بن عمران أَنزل الله عليه التوارة، فظن أن لا أحد أعلم منه، فأخبره أن في خلقه أعلم منه، وذلك إذ خاف على نبيه العُجب، فدعا ربه أن يرشده إلى العٓالِم، فجمع الله بينه وبين الخضر(عليهما السلام)، فخرق السفينة(اي الخضر ع) فلم يحتمل ذلك موسى، وقتل الغلام، فلم يحتمله، وأقام الجدار فلم يحتمله![اي كما قص الله ذلك في كتابه الكريم في الايات التالية التي نوردها للقارئ للتذكرة والعبرة وفيها دلالات مهمة على كثير من الامور للباحثين، قال تعالى في سورة الكهف/اية65 :
﴿فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً؟* قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً * قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً * فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا؟ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْراً * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً* فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ، قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ؟ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْراً * قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً؟ * قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً * فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ، قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ، سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا، وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ، فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً *فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا، وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا{اي ان بركة الوالد الصالح تصل الى الابناء في حياته وبعد موته} ، فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ، وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً﴾،
فكما يظهر من الايات ان بعض الامور التي ظاهرها الاذى للانسان انما هي في حقيقتها تتضمن الرحمة واللطف الالهي والتي تخفى على عموم الناس بل حتى على اهل العلم والفضل احيانا كما في قصة نبي الله موسى ع مع الخضر وهو من انبياء الله المكرمين ومن اولي العزم، بينما هي كانت الحقائق معلومة لعبده الخضر ع الذي اختصه الله بعلم اكثر من علمه وبدور مميز اختصه الله به، وكذلك هو الحال في حجج الله والذين بيّنت الزيارة الجامعة عظيم مقامهم والدور المعهود اليهم من الله تعالى، علما بان الزيارة الجامعة المنسوبة للامام الهادي ع هي من اوثق الزيارات والخالية من التحريف او الغلو عند فهم معانيها وحقائقها بعلم ووعي].
ثم يتم الامام كلامه مع ميثم عن عدم تحمل العلم من كل احد فيقول:
أما غير النبيون فإن نبينا ﷺأخذ يوم غدير خم بيدي فقال: «اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه» فهل رأيت احتملوا ذلك إلا من عصم الله منهم؟
فأبشروا ثم أبشروا، فإن الله قد خصكم بما لم يخص به الملائكة والنبيين والمرسلين فيما احتملتم ذلك في أمر رسول اللهﷺ وعلمه، فحدثوا عن فضلنا ولا حرج، وعن عظيم أمرنا ولا أثم، قال رسول اللهﷺ: أُمرنا معاشر الانبياء أن نخاطب الناس على قدر عقولهم].
اي أن كل ما تتحدثون به من فضلنا فهو دون درجتنا، او هو بعيد ان ادراك منزلتنا التي تعني امتداد خط الخلافة الربانية المعصومة والمسدّدة من الله لحججه ولكن من دون وجود نبي وكتاب غير كتاب الله ونبيه المصطفى ﷺ وما في ذلك من علم وحقائق ربانية في خلقه وفي ارادته.
ونسالكم الدعاء
🌿مع اطيب التحيات من🌿
نبيل شعبان

 

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com