جوهرة العبودية
3
عن الامام الصادق ع
قال:
[العبودية جوهرة كنهها الربوبية، فما فقد في العبودية وجد في الربوبية، وما خفي
عن الربوبية اصيب في العبودية]
تقدم البحث في شرح القسم الاول من الحديث الشريف في جوهرة العبودية لله، ولبيان
القسم الثاني منه وهو:
[وما خفي عن الربوبية اصيب في العبودية].
فان المراد من هذا القسم هو ايضاح ان بعضا من عظمة الربوبية في اطارها النظري
التي اشار الله اليها في كتابه الكريم والتي تعتمد الفكر والتأمل في خلق الله
كما مر في الايات السابقة، هذه العظمة الله يمكن للانسان الوصول اليها عن طريق
اخر وهو حسن العبودية والطاعة لله او الامتثال لواجباته ونواهيه ومستحباته
ومكروهاته، فان الانسان يستطيع الوصول الى فهم كثير من المعاني العالية
للربوبية من خلال الالتزام بالمنهج العملي الذي يتطلب من العبد حسن العبودية
لله والاخلاص في طاعته بتطبيق المفاهيم القرانية من التقوى واجتناب المحرمات
والمسارعة الى الخيرات وما سعى اليه حجج الله من التوضيح لهذه المفاهيم، ليجد
الانسان بعد ذلك لطف الله ورحمته تحيط به من كل جانب ، ليفتح الله على عبده
المتقي من الفهم والادراك لمعاني الربوبية ما يزيد في توفيقاته للارتقاء في
مراحل القرب من الله ومعرفته بما يتناسب مع عقل الانسان وجهده،او كما قال الله
في كتابه:
[وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ].
وهو ما يتم عادة عبر طريقين للوصول الى هذه المراحل.
الطريق الاول: وهو ما يكشفه الله لقلب عبده من المعرفة والفهم والادراك لمعنى
الربوبية والتي يستشعر بها الانسان وجود الله سبحانه في كل مكان وكل شان وكل
عمل وهيمنته المباشرة على الامور كلها.
والطريق الثاني :وهو مايؤتيه الله لعبده من القدرات والامكانيات التي تتجاوز
القدرات الذاتية للانسان وتعرّفه قدرة الله وعظمته وفضله على عباده الاخيار،
وفي كلا الطريقين تفصيل وشرح لابد منه.
فالطريق الاول والمراد به ادراك الوجود الالهي واستشعار وجوده في القلب ليكون
عاملا مهما في الخشوع والخضوع لله والتسليم لامره والرضا بقضائه ليكون سببا في
زيادة ايمان العبد وثباته واستقامته في الحياة وتقربه لربه
فهناك فرق كبير بين المعرفة العامة لوجود الله وخالقيته وتدبيره للامور بشكل
عام، وبين الاحساس بوجوده واطلاعه المباشر على الاعمال والاقوال وحتى النوايا
التي في القلوب بل وتاثيره المباشر فيها.
فاما اطلاعه على الاقوال والاعمال فهو ما عبر عنه الامام الحسين ع في دعاء عرفة
بقوله:
[اللهم اجعلني اخشاك كاني اراك، واسعدني بتقواك، ولا تشقني بمعصيتك].
وفي موضع اخر كان يقول:[رب لاتكلني الى نفسي طرفة عين ابدا].
وهو ما كان يحدث للنبي واهل بيته المعصومين من الخشوع لله والاحساس بوجوده عند
الصلاة والدعاء والذكر لله كما في الاخبار المتواترة عن الحالات التي كانت
تسودهم وخاصة امير المؤمنين ع عند عبادته وذكره لله تعالى
وللبحث تتمة