نور من نهج البلاغة   خلاصة العمر   3

عن امير المؤمنين ع في وصيته لابنه الحسن ع بعد عودتهم من صفين قال فيها:

💠 (أَحْيِ قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ، وَأَمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ، وَقَوِّهِ بِالْيَقِينِ، وَنَوِّرْهُ بِالْحِكْمَةِ).

قلب المؤمن كالمصباح الذي يحتاج الى وقود لكي يستمر في الاضاءة وتبديد ظلمات النفس وتنوير القلب واول المصادر لذلك هو كتاب الله واحاديث حججه المعصومين ثم كل كلام فيه احياء للنفس وموعظة لها وهو ما اوضحه الله في كتابه بقوله: [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ]، الا ان هذه الحياة لكي تدوم في القلب وتؤتي ثمرتها تحتاج الى الابتعاد عن التعلّق بالدنيا وزينتها وشهواتها وما يشدّ اليها من حب النفس وتقديم مصالحها الدنيوية على الاخرين وهو ما يعني الزهد في الدنيا ودرجاتها وما يجعل القلب متعلّقا بها، ولكي يستطيع المؤمن ذلك لابد وان يتقوى باليقين من خلال العلم والمعرفة والعقل والفكر ولذا كثرت الآيات التي تدعوا الى الفكر والاعتبار والتعقل كما في قوله تعالى: [أَفَلَا يَعْقِلُونَ]، [إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ]، [كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ]، ولذا يحتاج القلب الى تنويره بالحكمة والتي تمثل سعي المؤمن وتوفيق الله كما في قوله تعالى: [يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ]، فهذا الجزء من الوصية يعتبر المفتاح العملي لتربية النفس وتهذيبها فلا ينبغي نسيان قوله ع : (أَحيِ قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ، وَأَمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ، وَقَوِّهِ بِالْيَقِينِ، وَنَوِّرْهُ بِالْحِكْمَةِ).

💠 (وذللـه بِذِكْرِ الْمَوْتِ، وَقَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ {اي اجعله يعترف ويقر بالفناء}، وَبَصِّرْهُ فَجَائِعَ الدُّنْيَا {اي مصائبها}، وَحَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وَفُحشَ تَقَلُّبِ اللَّيَالِي وَالاْيَّامِ، وَاعرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الاْوَّلِينَ، وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ ، فَانْظُرْ مَا فَعَلُوا وعَمَّا انْتَقَلُوا، وَأَيْنَ حَلُّوا وَنَزَلُوا! فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ انْتَقَلُوا عَنِ الاْحِبَّةِ، وَحَلُّوا دَارَ الْغُرْبَةِ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَلِيل قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ، فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ، وَلاَ تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ)

فمن يؤمن بالله وبعظمته في خلقه وهيمنته على هذا الكون الواسع وتدبيره لكل ما فيه من الامور ينبغي ان لا يغيب عنه ذكر الموت، فالله سبحانه لم يخلق الخلق عبثا كما اوضح بقوله: [أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ؟]، ولم يميتهم ثم يبعثهم بلا هدف ولا غاية وهو القائل في كتابه: [كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ]، ولذا ينبغي للمؤمن ان يذلّل قلبه بذكر الموت فكما قد اتى على السابقين فانه لابد من حضوره في الوقت المحدد له وفي الساعة التي يختم الله بها عمر الانسان في الدنيا وهو ما يستدعي التفكير بالأخرة وان يتأمل في فجائع الدنيا ومصائبها وما حل بالسابقين واللاحقين وما سيؤول اليه الامر بعد الموت والانتقال من ظهر الارض الى بطنها حيث الوحدة والوحشة والظلمة وسؤال منكر ونكير وحياة البرزخ وهو بعض ما اشتملت عليه ادعية السحر وخاصة دعاء للإمام زين العابدين في شهر رمضان والذي ينبغي ان يقرأ في الاوقات المختلفة فالأدعية وان كان بعضها معرّفا لمناسبات معينة "كدعاء عرفة للحجاج مثلا" الا انها تتميز بالعمومية التي تجعلها صالحة للقراءة في كل الاوقات، ومن هنا ينبه الامام ع في وصيته بتذكر الموت بقوله: (وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الاْوَّلِينَ، وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ ، فَانْظُرْ مَا فَعَلُوا وعَمَّا انْتَقَلُوا، وَأَيْنَ حَلُّوا وَنَزَلُوا! فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ انْتَقَلُوا عَنِ الاْحِبَّةِ، وَحَلُّوا دَارَ الْغُرْبَةِ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَلِيل قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ، فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ، وَلاَ تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ)


نهج البلاغة خطبة رقم ٣١

التالي

 

 

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com