نور من نهج البلاغة    خلاصة العمر 20

 

عن امير المؤمنين ع في تتمة وصيته لابنه الحسن ع بعد عودتهم من صفين ذكر في خاتمتها مجموعة من الحكم القصيرة حيث قال:

(إِذَا كَانَ الرِّفْقُ خُرْقاً {اي متضمنا للعنف والشدة}، كَانَ الْخُرْقُ رِفْقاً)،

لاشك ان الرفق في العلاقات الاجتماعية والتربية الأسرية والمجتمعية هو أمر مطلوب ومستحب، الا انه قد يلزم احيانا شيء من العنف او الشدة في التعامل مع الطرف المقابل حينما يكون رهينا للإغواء الشيطاني الذي يجعله يشعر بالغرور او التكبر او الانتفاخ في الذات وعدم تقبل النصيحة من الاخر المقابل، فعندئذ يحتاج المربي او الناصح الى اسلوب الجديد في التعامل مع من يكون كذلك ليعيده الى رشده ووعيه، وقد يتضمن ذلك شيء من الشدة لإشعار المقابل بخطئه وسوء عمله وخاصة في مجال العقوبات الفردية او القضائية، والى هذا يشير الحديث من انه قد تكون الامور معكوسة حينما يتغير الزمان واهله، فيكون الرفق خرقا وتعاملا غير صحيحا، وتكون الشدة رفقا بالمذنب وتربية ايجابية له.

(رُبَّمَا كَانَ الدَّوَاءُ دَاءً، وَالدَّاءُ دَوَاءً)،

من المعروف طبيا ان بعض الادوية التي تستخدم لعلاج بعض الامراض قد يكون لها اثار جانبية تؤدي الى حدوث مرض اخر او استفحال المرض السابق، حيث ينبغي ان يكون الدواء مناسبا للداء، ولما كان معنى الداء لغة هو المرض الظاهر او الباطن فقد يشمل الحديث الامراض البدنية والنفسية، فكما هو معلوم ان الترابط بين الجانب البدني والنفسي هو ترابط وثيق، فبعض الامراض النفسية تترك اثارها على البدن كما في حالات الخوف والرعب فتؤدي الى شلل بعض اعضاء الانسان جزئيا او كليا والعكس صحيح من تأثير المرض البدني على الجانب النفسي فيما يتركه من انفعالات واثار نفسية شديدة، وهو ما يفسر كيف يكون الدواء داء او باعثا لنشوء مرض اخر اما بدني او نفسي، كما ان بعض الابتلاءات وما تتركه من اثار مرضيّة على الانسان قد يكون فيها الدواء فيما تسببه من عقوبات عاجلة تدفع عقوبات الاخرة كوجع الاسنان مثلا او غيرها من آلام الجسد او آلام النفس التي تنبه صاحبها الى سوء ما صدر منه ليمتنع من فعله مجددا، كما في قوله: [وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَّحِيمًا]

(وَرُبَّمَا نَصَحَ غَيْرُ النَّاصِحِ، وَغَشَّ الْمُسْتَنْصَحُ)

فقد يطلب الانسان النصيحة من قريب او بعيد ممن عُرفوا بالعلم او الخبرة في موضوع ما، [يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا]، ولكن الناصح لا يصدق النصيحة للسائل لمصلحة شخصية او لغير ذلك من الاسباب فيغش السائل في جوابه، في حين انه قد يأتي الجواب على النصيحة من شخص اخر لم يكن في الحسبان فيستفيد السائل من جوابه او يعتبر مما حدث له، ولذا كان حسن الرجاء لله والتوكل عليه باعثا على قضاء الحاجات: [وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا]

(وَإِيَّاكَ وَالاتِّكَالَ عَلَى الْمُنَى {اي الاماني}، فَإِنَّهَا بَضَائِعُ النَّوْكَى {اي الحمقى})

من يعرف كيد الشيطان يعلم ان الاماني هي من وسائله المهمة في اضلال الناس كما في قوله تعالى:  ولذا من يعتمد على المنى فانه لا يصل لما يريد تحقيقه فان الآمال هي سراب كاذب لا يمت الى حقيقة الدنيا التي جعلها الله في وضع متقلب متبدل كما في قوله تعالى: [وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ]


نهج البلاغة خطبة ٣١


وللوصية تتمة

 

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com