نور من نهج البلاغة    خلاصة العمر 15

 

عن امير المؤمنين ع في تتمة وصيته لابنه الحسن ع بعد عودتهم من صفين قال فيها:

(وَاعلَمْ يَقِيناً، أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ، وَلَنْ تَعْدُوَ أَجَلَكَ، وَأَنَّكَ فِي سَبِيلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، فَخَفِّضْ فِي الطَّلَبِ، وَأَجْمِلْ فِي الْمُكْتَسَبِ).

من الحقائق التي يلفت الامام النظر اليها هي ان آمال الانسان في الدنيا لن تنتهي، فكلما انتهى أمل سواء بالنجاح او الاخفاق، تجدّد له أمل اخر، فهكذا هي طبيعة الانسان ليكون ذلك بعض من ابتلائه في الدنيا حتى يغادرها وهو لم يحقق كل اماله فيها، والحقيقة الاخرى التي يلفت الامام النظر اليها هو انه لكل انسان  يومه وساعته التي يغادر بها الحياة فلن يزيد فيها أحد ولا ينقص منها أحد كما في قوله تعالى: [وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ]، وبقوله كذلك: [قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ، لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ]،

فهذا هو سبيل السابقين واللاحقين ولذا ينبغي للمؤمن ان يخفض في مطالبه ومطامحه الدنيوية وان يجمل في المكتسب اي يكون سعيه متناسبا مع قدرته ويتّسم بالقناعة والرضا من دون حرص وطمع

(فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَب قَدْ جَرَّ إِلَى حَرَب {والحَرِب هو سلب المال، اي ان الطمع في المال قد يسوق الى فقدان المال او خسارته}، فَلَيْسَ كُلُّ طَالِب بِمَرزُوق، وَلاَكُلُّ مُجمِل بِمَحروُم)

فمن يتأمل في كلمات الامام السابقة من قوله: (وَاعلَمْ يَقِيناً، أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ، وَلَنْ تَعدُوَ أَجَلَكَ، وَأَنَّكَ فِي سَبِيلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، فَخَفِّضْ فِي الطَّلَبِ، وَأَجْمِلْ فِي الْمُكْتَسَبِ)، يعلم ان الدنيا لا تسير بما يرغب به الانسان ويتمناه فان قضاء الله وقدره هو اسبق من عمل العامل وسعيه وإن كان السعي والعمل مطلوب من الانسان في الدنيا، ولكن ارادة الله هي الغالبة كما في قوله تعالى: [وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا]، فينبغي للمؤمن ان يفوض أمره الى الله، فكل شيء يجري بإرادة الله وتقديره [إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ]، وهذا التسليم لا يتعارض مع السعي والعمل الذي تضمنته الآيات الكثيرة فيما امر الله به ونهى عنه، ولكنه يكون باعثا للتقوى كما في قوله تعالى: [وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ، قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا]

(وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّة وَإِنْ سَاقَتكَ إِلَى الرَّغَائِبِ، فَإِنَّكَ لَنْ تَعتَاضَ بِمَا تَبذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً)

والدنيّة هو الشيء الحقير المبتذل الذي يستقبحه الناس حيث ينبغي للمؤمن ان يتجنبه حتى لو كان بتحقيقه يصل الانسان الى ما كان ما يرجوه ويرغب في تحصيله، حيث ينبغي للمؤمن ان يتعالى عن استخدام الاساليب الدنيئة لتحقيق مقاصده، فان ذاته وشخصيته هي اغلى مما يريد تحصيله.

ثم شرع الامام في تتمة خطبته بإيراد حكم قصار جدا سيتم تناولها في الحلقات القادمة

وللوصية تتمة

نهج البلاغة خطبة ٣١

 

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com