صفات المتقين    4

 

نور من نهج البلاغة

عن امير المؤمنين ع في تتمة خطبته عن صفات المتقين قال:

(يَعمَلُ الأعمَالَ الصَّالِحَةَ وَهُوَ عَلَى وَجَلّ)

فالمتقين العارفين بالله من صفاتهم انهم خائفون من حساب الله في الاخرة فلا يطمأنون الى اعمالهم الصالحة اذ انها لا تعدل ولو جزء يسيرا من فضل الله عليهم كما في قوله: [ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَىٰ بِاللهِ عَلِيمًا]، فأقل نعمة لله هي نعمة الحياة والتي لا تستطاع الا بفضله ورحمته، فالانسان محتاج الى ربه في كل لحظة، ولولا نعمه الكثيرة لما استطاع الحياة، كما في قوله تعالى: [وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كفَّار] ثم ما تفضّل به من الحياة الابدية الخالدة في جنان الخلد والنعيم للعاملين بطاعته والممتنعين عن معاصيه مع انه غني عنهم وعن طاعتهم وعن مجازاتهم بالخير او الشر كما اوضح في كتابه بقوله: [مَّا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا]، وبقوله: [وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ].

(يُمْسِي وَهَمُّهُ الشُّكْرُ، وَيُصْبِحُ وَهَمُّهُ الذِّكْرُ)،

فالمتقي لا يغفل عن شكر الله بما أفاض عليه من نعمه وفضله في يومه وفي كل يوم، فليس له من الرزق الا ما رزقه الله، وليس له من الحول والقوة الا ما آتاه الله، فالعافية في البدن من سلامة الاعضاء الداخلية التي جعلها الله تعمل بشكل آلي كأيعاز الدماغ وحركة القلب ودوران الدم ومصفاة الكلية وآلاف القطع من الاجزاء الداخلية لبدن الانسان من العظام والروابط والصمامات وما وصل اليه العلم من المعرفة بها وسلامة الجوارح الخارجية من السمع والبصر والايدي والأرجل واللسان وما يرتبط بها من الاجزاء الداخلية التي يسترها الجلد من الاعصاب والشرايين والعروق والهرمونات وغيرها كثير في المنظومة العظيمة المعقدة لخلق الانسان والتي لا يزال العلم لم يصل الى اغوارها بعد، فما كانت هذه النعم لتتم لولا فضل الله ورحمته في دوامها وسلامتها، هذا فيما يخص بدن الانسان اما في العوامل الخارجية التي تحيط بالإنسان والتي تمكّنه من التنّفّس والعيش الآمن في الارض التي يسّرها الله بلطفه لمعيشة الانسان بكل ما فيها من روائع خلق الله وعدم طيران الكرة الارضية المتذبذب في الفضاء، وحركتها الخاصة بها ضمن المجموعة الشمسية في مجرّتها بين مئات الالاف او الملايين من المجرّات التي خلقها الله تجعل المؤمن يفيض لسانه بشكر الله على نعمه التي لا تعدّ ولا تحصى [الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]،

وهو ما افاضت بها الآيات القرآنية التي تبيّن عظمة خلق الله كقوله تعالى:

[وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ]،

[هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ، وَمِنْهُ شَجَرٌ ، فِيهِ تُسِيمُونَ {اي ترعون دوابكم من الماء}، يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ،
🌿 وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ، إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ،

🌿 وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ، إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ،

🌿 وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا، وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا، وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ {اي ان من فضل الله ان جعل البحر طريقا للسفن فاذا نظرت الى البحر فستبصر السفن تشق طريقها فيه}، وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ،

🌿 وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ {اي جعل الله في الارض رواسي تثبتها وهي الجبال لكي لا تتحرك بكم} وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {فقد جعل الله من فضله الانهار والطرق الجبلية لتصل بين اجزاء الارض}،

🌿 وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ،

🌿 أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ؟، وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ]

فهذه الآيات كلها في صفحة واحدة في سورة النحل اية ٩ الى ١٨)

مما يشعر الانسان بوجود الله سبحانه في جميع امور الدنيا واحوالها وان كل شيء هو بيد الله تبارك وتعالى.

نهج البلاغة خطبة ١٩٣

وللحديث تتمة

 

 

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com