نور من نهج البلاغة   55
 

عن امير المؤمنين (عليه السلام) في بيان صفات حجج الله واوليائه وما ينبغي للمتقين الاقتداء به والسير اليه قال:

[ عِبَادَ اللهِ، إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللهِ إِلَيْهِ، عَبْداً أَعَانَهُ اللهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ (اي جعل الحزن كالشعار وهو ما يلي البدن من اللباس اي يكون باطنه غير المنظور للناس مكسوا بسيماء الحزن وعدم الفرح بالدنيا لخوفه من حساب الله في الاخرة)،

وَتَجَلْبَبَ الْخَوْفَ (اي جعل الخوف كالجلباب وهو ما يكون فوق جميع الثياب والمراد انه جعل خوف الله يكسو سلوكه وتصرفاته في الخلاء او في الملاء مع الناس اضافة للحزن في باطنه)،

فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الْهُدَى فِي قَلْبِهِ (اي تلألأ واضاء نور الهدى في قلبه فأصبح يبصر ما يرضي الله وما ينفعه لأخرته)،

وَأَعَدَّ الْقِرَى لِيَوْمِهِ النَّازِلِ بِهِ (القِرى هو ما يهيأ للضيف من امور الضيافة والاكرام، والمراد به الاعداد للعمل الصالح قبل نزول الموت عليه)،

فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِهِ الْبَعِيدَ، (اي لم يغفل عن الموت والانتقال الى الاخرة لعلمه ان مفارق للدنيا على كل حال)،

وَهَوَّنَ الشَّدِيدَ (اي سهّل على نفسه الصعب من الامور سواء في الالتزامات الدينية او في الامور العبادية)،

نَظَرَ فَأَبْصَرَ (اي نظر الى الحياة وما يحدث فيها من الاقدار والتغيرات التي تجري بغير ارادة البشر، وعدم دوام الدنيا على حال واحد، وسرعة زوالها وانتهاء ما فيها، فابصر حقيقة الدنيا وما خلقت من اجله)،

وَذَكَرَ فَاسْتَكْثَرَ (اي اشتغل بذكر الله وما امره به من الصالحات والخيرات فأكثر منها لتكون له زاد للأخرة)،

وَارْتَوَى مِنْ عَذْب فُرَات سُهِّلَتْ لَهُ مَوَارِدُهُ (اي خاض في العلم النافع من كتاب الله وسنن انبيائه وحججه حيث يحظى من يقتدي بهم بتوفيق الله وتسديده)،

فَشَرِبَ نَهَلاً (والنهل اول الشرب العذب الذي يروي القلب)،

وَسَلَكَ سَبِيلاً جَدَداً (اي طريق ثابتا لا عوج فيه)،

قَدْ خَلَعَ سَرَابِيلَ الشَّهَوَاتِ (اي أبعد عن قلبه ونفسه كل ما يزين له الشيطان من الشهوات والرغبات الدنيوية الزائلة)،

وَتَخَلَّى مِنَ الْهُمُومِ (فترك هموم الدنيا وما تزينه النفس من رغبات واماني لعلمه بزوالها)،

إِلاَّ هَمّاً وَاحِداً انْفَرَدَ بِهِ (وهو هم النجاة في الاخرة من سوء الحساب)،

فَخَرَجَ مِنْ صِفَةِ الْعَمَى (اي عمى القلب عن حقيقة الدنيا وسرعة فنائها وقيمتها الواقعية بالنسبة للأخرة)،

وَمُشَارَكَةِ أَهْلِ الْهَوَى (اي تحرر من غلبة الهوى والشهوات فلم يقع فيما وقع به الاخرون الذين سقطوا في اغواء الشيطان وإضلاله)،

وَصَارَ مِنْ مَفَاتِيحِ أَبْوَابِ الْهُدَى، وَمَغَالِيقِ أَبْوَابِ الرَّدَى (اي اجتباه الله فاصبح ممن يدلّ على الله وعلى الخير والهدى واجرى الله الحكمة على لسانه وقلبه)،

قَدْ أبْصَرَ طَرِيقَهُ، وَسَلَكَ سَبِيلَهُ، (اي وفقه الله للبصيرة فيما يفعله في الحياة والعمل بما هداه الله اليه)،

وَعَرَفَ مَنَارَهُ، وَقَطَعَ غِمَارَهُ (اي سار في الطريق الصحيح من العمل بكتاب الله واتباع حججه لبلوغ خير الدارين)،

وَاسْتَمْسَكَ مِنَ الْعُرَى بِأَوْثَقِهَا (العرى جمع عروة وهي ما يتمسك به الانسان لحفظ توازنه او ما يمسك به زمام الشيء كعروة الحقيبة، فكلما كانت العروة متينة كانت موصلة الى الغاية منها، والمراد بذلك هو التمسك بالصراط المتين الذي يعينه لبلوغ الاخرة المطمئنة الامنة)،

وَمِنَ الْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا (وهو تشبيه لمتانة وقوة ما استعان به واعتمد عليه)،

فَهُوَ مِنَ الْيَقِينِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ (اي ان بصيرته في الامور ويقينه فيها لا يعتريه الشك او الشبهة)،

قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ للهِ ـ سُبْحَانَهُ ـ فِي أَرْفَعِ الاْمُورِ (اي وضع نفسه في طاعة الله في جميع الامور في الكبير والعالي منها او فيما امره الله به في غيرها)،

مِنْ إِصْدَارِ كُلِّ وَارِد عَلَيْهِ (فهو يرجع في الامور كلها الى الله ليعمل فيها بحكمه)،

وَتَصْيِيرِ كُلِّ فَرْع إِلى أَصْلِهِ (فيلتزم بما امره الله به ويجتنب ما نهاه عنه)،

مِصْبَاحُ ظُلُمَات، (اي وفقه الله بفضله وهداه لان يكون مصباحا او نورا عند وجود الظلمة والتيه والحيرة عند الناس)،

كَشَّافُ غَشَوَات (فيكشف الله به ما غشي على العقول من الشبهات والاوهام)،

مِفْتَاحُ مُبْهَمَات (فيفتح به الله ما التبس على الناس مما صعب فهمه من القضايا والامور الدينية او الحياتية)،

دَفَّاعُ مُعْضِلاَت (فيدفع الله به المعضلات والمشاكل عن الناس عامة وعن المؤمنين خاصة)،

دَلِيلُ فَلَوَات (فهو الدليل عند الضياع في متاهة الامور والتباسها بما وفقه الله وهداه)،

يَقُولُ فَيُفْهِمُ، وَيَسْكُتُ فَيَسْلَمُ، (اي ان حديثه فيه الهدى وسكوته فيه السلامة في العاقبة)،

قَدْ أَخْلَصَ للهِ فَاسْتَخْلَصَهُ، (اي جزاه الله على اخلاصه فانتخبه ليكون من المخلَصين)،

فَهُوَ مِنْ مَعَادِنِ دِينِهِ، وَأَوْتَادِ أَرْضِهِ (اي جعله الله من عناصر الدين واصوله، ومن الاوتاد الذين يثبت الدين ويستقيم بوجودهم في الارض)،

قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْعَدْلَ، (فهو مع نفسه اولا ثم مع الاخرين لا يخالف العدل وهو وضع الشيء في موضعه)،

فَكَانَ أَوَّلَ عَدْلِهِ نَفْيُ الْهَوَى عَنْ نَفْسِهِ، (فهو بعيد عن كل ما يبعده عن الله من الشهوات والمعاصي)،

يَصِفُ الْحَقَّ وَيَعْمَلُ بِهِ، (فهو لا يعمل بخلاف ما يقول لان حقيقته في الظاهر والباطن واحدة)،

لاَ يَدَعُ لِلْخَيْرِ غَايَةً إِلاَّ أَمَّهَا (اي قصدها فهو ساع في نشر الخير والهدى في كل المجالات)،

وَلاَ مَظِنَّةً إِلاَّ قَصَدَهَا (اي لا يترك امرا يحتمل فيه الخير الا سعى لتحقيقه)،

قَدْ أَمْكَنَ الْكِتَابَ مِنْ زِمَامِهِ (وهو تمثيل للانقياد الى احكام الله حيث يكون كتاب الله هو القائد لأمره وهو المستجيب له)،

فَهُوَ قَائِدُهُ وَإِمَامُهُ (اي لا ينحرف عن كتاب الله ويتوجه بكل ما فيه من الواجبات والتعاليم الالهية)،

يَحُلُّ حَيْثُ حَلَّ ثَقَلُهُ، وَيَنْزِلُ حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُهُ، (فهو منقاد لله كما امر في كتابه في السكون او الحركة).

 

التالي

 

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com