نور من نهج البلاغة    28

 

عن امير المؤمنين ع في تتمة خطبته السابقة التي يصف بها حقيقة الدنيا قال:

فاجْعَلُوا مَا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلِبَتِكُمْ (اي اجعلوا من اهدافكم تحقيق ما افترضه عليكم والزمكم به في آيات كتابه واحاديث حججه)،

وَاسْأَلُوهُ مِنْ أَدَاءِ حَقِّهِ مَا سَأَلَكُمْ (اي استعينوا بالله ليوفقكم في اداء حقه الذي ذكره في كتابه واحاديث حججه المعصومين)،

وَأَسْمِعُوا دَعْوَةَ الْمَوْتِ آذَانَكُمْ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى بِكُمْ (اي استعدوا للموت قبل ان ينزل بكم فتنقطع فرصة العمل)

إِنَّ الزَّاهِدِينَ في الدُّنْيَا تَبْكِي قُلُوبُهُمْ وَإِنْ ضَحِكُوا (فصفة الراغبين في الاخرة ان قلوبهم في واقعها تختلف عن سلوكهم في المجتمع، فهي تتسم بالحزن وان اظهرت خلاف ذلك)،

وَيَشْتَدُّ حُزْنُهُمْ وَإِنْ فَرِحُوا (فخوفهم من الله هو الغالب عليهم وخاصة عند احساسهم بإقبال الدنيا عليهم خوفا من ان تشغلهم عن الاخرة)،

وَيَكْثُرُ مَقْتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَإِنِ اغْتُبِطُوا (اي غبطهم غيرهم) بِمَا رُزِقُوا (لانهم يعلمون حساب الله في الاخرة على كل صغيرة وكبيرة)،

ثم يخاطب ع اهل الدنيا قائلا:

قَدْ غَابَ عَنْ قُلُوبِكُمْ ذِكْرُ الاْجَالِ (اي نسيتم الموت وما بعده في الاخرة)،

وَحَضَرَتْكُمْ كَوَاذِبُ الاْمَالِ (اي انشغلتم بامور الدنيا وما تريدونه منها)،

فَصَارَتِ الدُّنْيَا أَمْلَكَ بِكُمْ مِنَ الاْخِرَةِ، وَالْعَاجِلَةُ أَذْهَبَ بِكُمْ مِنَ الاْجِلَةِ، (اي شغلتكم امور الدنيا عن الاخرة)

وَاِنَّمَا أَنْتُم إِخْوَانٌ عَلَى دِينِ اللهِ، مَا فَرَّقَ بَيْنَكُمْ إِلاَّ خُبْثُ السَّرَائِرَ، وَسُوءُ الضَّمائِرِ، فَلاَ تَوَازَرُونَ (اي لا ينصر بعضكم بعضا)،

وَلاَ تَنَاصَحُونَ (ولا ينصح بعضكم الاخر خالصا لله)،

وَلاَ تَبَاذَلُونَ (ولا يعين المؤمن اخوانه)،

وَلاَ تَوَادُّونَ (فقد زالت المودة والمحبة في الله لتحل محلها العداوة والبغضاء)

مَا بَالُكُمْ تَفْرَحُونَ بِالْيَسِيرَ مِنَ الدُّنْيَا تُدْرِكُونَهُ، وَلاَ يَحْزُنُكُمُ الْكَثِيرُ مِنَ الاخِرَةِ تُحْرَمُونَهُ ؟ (فاذا نال الانسان الشيء اليسير من الدنيا غلبه الفرح والسرور واذا فاته ما يربحه في الاخرة لم يحزن قلبه ولم يشعر بالاسى على فقدانه)،

وَيُقْلِقُكُمُ الْيَسِيرُ مِنَ الدُّنْيَا يَفُوتُكُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ ذلِكَ فِي وُجُوهِكُمْ، وَقَلَّةِ صَبْرِكُمْ عَمَّا زُوِيَ مِنْهَا عَنْكُمْ (في حين ان ضياع بعض الفرص الدنيوية يترك اثره على وجوهكم وحالتكم النفسية فبانت شدة لهفتكم لما لم يقسمه الله لكم ونحاه عنكم)،

كَأَنَّهَا دَارُ مُقَامِكُمْ، وَكَأَنَّ مَتَاعَهَا بَاق عَلَيْكُمْ (فكأن الدنيا دار الجزاء التي يدوم فيه ما قدمتم من صالح الاعمال).

وَمَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَخَاهُ بِمَا يَخَافُ مِنْ عَيْبِهِ، إِلاَّ مَخَافَةُ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ بِمِثْلِهِ (وهو كشف لتصرف الناس في عدم صدق الاخلاص والنصيحة للأخرين وخاصة في الوسط السياسي المعاش)،

قَدْ تَصَافَيْتُمْ عَلَى رَفْضِ الاْجِلِ وَحُبِّ الْعَاجِلِ، وَصَارَ دِينُ أَحَدِكُمْ لُعْقَةً عَلَى لِسَانِهِ (وقد عبّر ع "باللّعْقة" على اللسان عن دين البعض كناية عن الاقرار والتسليم باللسان بمتطلباته الا ان الواقع العملي يكشف خلاف ذلك في العمل حيث يميل القلب إلى مخالفته)،

صَنِيعَ مَنْ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ، وَأَحْرَزَ رِضَى سَيِّدِهِ.

خطبة ١١٢ نهج البلاغة

التالي

 

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com