نور من نهج البلاغة    20
 

عن امير المؤمنين ع قال:

فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُ مِنْكُمْ فِي أَيَّامِ مَهَلِهِ، قَبْلَ إِرْهَاقِ أَجَلِهِ (فالدنيا دار اُمهل فيها الانسان ليتزود من العمل الصالح قبل ان يأتيه الموت فيرهقه بشدائده ويحول بينه وبين العمل بمعنى يلزم المُفَرّط تَدَارُكَ ما فاته من العمل قبل حلول الاجل)،

وَفِي فَرَاغِهِ قَبْلَ أَوَانِ شُغُلِهِ (فالفرص تمر مر السحاب ويطوى بها العمر)،

وَفِي مُتَنَفَّسِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ بِكَظَمِهِ (والكظم وهو مخرج نّفسه بمعنى قبل قطع نفسه عند الموت)،

وَلْـيُمَهِّدْ لِنَفْسِهِ وَقَدَمِهِ (اي يهيئ من الاعمال الصالحة ما يمهد له تحصيل جنان الخلد والنعيم)،

وَلْيَتَزَوَّدْ مِنْ دَارِ ظَعْنِهِ لِدَارِ إِقَامَتِهِ (ودار الظعن هي دار الرحيل او دار الاقامة المؤقتة والمراد بها الدنيا، اما دار الاقامة الدائمة فهي الدار الاخرة).

فَاللهَ اللهَ أَيُّهَا النَّاسُ، فِيَما اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ، وَاسْتَوْدَعَكُمْ مِنْ حُقُوقِهِ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً، وَلَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدىً (فحاشا للخالق العظيم ان يخلق شيئا بلا هدف وغاية)،

وَلَمْ يَدَعْكُمْ فِي جَهَالَة وَلاَ عَمىً (ولذا بعث الانبياء وارسل معهم كتبه)،

قَدْ سَمَّى آثَارَكُمْ (اي بين لكم أعمالكم وحَدّدها وما يترتب عليها في الاخرة)،

وَعَلِمَ أعْمَالَكُمْ، وَكَتَبَ آجَالَكُمْ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ الْكِتَابَ تِبْيَاناً، وَعَمَّرَ فِيكُمْ نَبِيَّهُ أَزْمَاناً (اي مد الله في اجل النبي لإقامة تمام الحجة) ،

حَتَّى أَكْمَلَ لَهُ وَلَكُمْ ـ فِيَما أنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ ـ [دِينَهُ] الَّذِي رَضِيَ لِنفْسِهِ، وَأَنْهَى إِلَيْكُمْ ـ عَلَى لِسَانِهِ ـ مَحَابَّهُ مِنَ الاْعْمَالِ (اي بين لكم سبحانه الاعمال التي يحبها)

وَمَكَارِهَهُ، وَنَوَاهِيَهُ وَأَوَامِرَهُ (والتي عليها الحساب والجزاء في الاخرة)،

فَأَلقَى إِلَيْكُمُ الْمِعْذِرَةَ، وَاتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ، وَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ، وَأَنْذَرَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَاب شَديد.

فَاسْتَدْرِكُوا بَقِيَّةَ أَيَّامِكُمْ (اي استغلوا بقية عمركم في الدنيا)،

وَاصْبِرُوا لَهَا أَنْفُسَكُمْ، فَإِنَّهَا قَلِيلٌ فِي كَثِيرِ الاْيَّامِ الَّتِى تَكُونُ مِنْكُم فِيهَا الْغَفْلَةُ وَالتَّشَاغُلُ عَنِ الْمَوْعِظَةِ، وَلاَ تُرَخِّصُوا لاِنْفُسِكُمْ (اي لا تسمحوا لأنفسكم بالتبريرات والرخص التي تجوز لكم المعاصي والذنوب)،

فَتَذْهَبَ بِكُمُ الرُّخَصُ مَذَاهِبَ الْظَّلَمَةِ، وَلاَ تُدَاهِنُوا (اي تلينوا في مواقفكم من المعاصي بإظهار خلاف ما في الباطن) الطّوِيّة، فَيَهْجُمَ بِكُمُ الاْدْهَانُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ،

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ أَنْصَحَ النَّاسِ لِنَفْسِهِ أَطْوَعُهُمْ لِرَبِّهِ، وَإِنَّ أَغَشَّهُمْ لِنَفْسِهِ أَعْصَاهُمْ لِرَبِّهِ، وَالْمَغْبُونُ (اي المخدوع) مَنْ غَبَنَ نَفْسَهُ (اي الذي لم يرشدها الى الطريق الصحيح)،

وَالْمَغْبُوطُ مَنْ سَلِمِ لَهُ دِينُهُ (والمغبوط الذي ترغب النفوس لنيل مثل نعمته اي ان المغبوط بحق هو من سلم دينه من التحريف والتغيير وعمل بأمر ربه)،

وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ (اي الذي استفاد مما اصاب الاخرين ممن تركوا امر الله فخسروا الدنيا والاخرة)،

وَالشَّقِيُّ مَنِ انْخَدَعَ لِهَوَاهُ وَغُرُورِهِ (اي نسى الاعداد للآخرة)

وَاعْلَمُوا أَنَّ يَسِيرَ الرِّيَإِء شِرْكٌ (والرياء هو القيام بالأعمال الدينية في الظاهر بخلاف الباطن فهو لجلب السمعة بين الناس وليس لنيل رضا الله)،

وَمُجَالَسَةَ أَهْلِ الْهَوَى مَنْسَاةٌ لِلاْيمَانِ (اي مجالسة اهل الهوى الذين شغلتهم الدنيا يكون سببا لنسيان الدين والانشغال بما اشتغلوا به)،

وَمَحْضَرَةٌ لِلشَّيْطَانِ (فهذه المجالس تكون مكانا لحضور الشيطان).

جَانِبُوا الْكَذِبَ فَإِنَّهُ مُجَانِبٌ لِلاْيمَانِ، الصَّادِقُ عَلَى شَفَا مَنْجَاة وَكَرَامَة، وَالْكَاذِبُ عَلَى شَرَفِ مَهْوَاة وَمَهَانَة.

لاَ تَحَاسَدُوا، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الاْيمَانَ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، وَلاَ تَبَاغَضُوا فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ (اي الماحية لكل خير او بركة)،

وَاعْلَمُوا أَنَّ الاْمَلَ يُسْهِي الْعَقْلَ (اي يجعل العقل غافلا عن الاخرة)،

وَيُنْسِي الذِّكْرَ (اي يغفل عن ذكر الله في القلب واللسان)،

فَأَكْذِبُوا الاْمَلَ فَإِنَّهُ غُرُورٌ، وَصَاحِبُهُ مَغْرُورٌ.

الخطبة ٨٥ نهج البلاغة

التالي

 

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com