تأملات في القضية الحسينية   7
 

(الاحياء الهادف)
 

عن الامام الحسين ع قال:
💠[أما بعد فقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه واله قد قال في حياته: (من رأى سلطانا جائرا، مستحلا لحُرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثم لم يغيّر [عليه] بقول ولا فعل، كان حقيقا على الله أن يدخله مدخله) وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتولوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيئ، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله...].

معظم الشيعة او غالبيتهم يتأثرون بالأيام الاولى من عشرة محرم التي صادفت استشهاد الامام الحسين ع واهل بيته، الا ان الفارق بين من يعيش ايام العزاء الحسيني بالعواطف الجياشة والبكاء والحزن ثم تعود حياته الى ما كانت عليه...وبين من يعيش ايام العزاء فيبكيه ويرثيه ويحزن عليه ولكن يبقى الحسين حاضرا في قلبه وعقله وفكره.

الفارق هو بمقدار الاثر والتفاعل الذي تتركه هذه المناسبة الاليمة في نفس الانسان، فالأول ينساه بانتهاء العزاء والعودة الى بيته وشأنه الخاص، والثاني تبقى ذكراه في روحه وعقله بكل القيم والاهداف والتضحيات الثمينة التي استشهد من اجلها الحسين ع ليكون له مثلا اعلى يسير عليه في الحياة ويستلهم منه المواقف والدروس والعبر (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ، قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ).

فالحسين ع انما قام لإقامة دين الله والانتصار لله وحده لا شريك له، ولذا عبر عن شهادته بثأر الله، فقيامه كان خالصا لله وعمله كان للسير بسيرة جده رسول الله وابيه امير المؤمنين، وهو المحور الذي تحدث عنه في احاديثه التي تبين اسباب قيامه.

فالهدف الذي ثار من أجله الامام الحسين ع هو الثورة على السلطان الجائر او المنحرف عن طاعة الله، الذي يستحل حرمات الله ولا يحكم بحكم الله وهو ما قال الله عنه في كتابه المجيد بثلاث آيات هي:

💠[وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ].

💠[وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ].

💠[وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ].

وما قال عنه رسول الله(ص):

💠[من رأى سلطانا جائرا، مستحلاً لحُرم الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان (اي بالظلم والقهر)، ثم لم يُغيّر [عليه] بقول ولا فعل، (اي لم يكن مخالفا ومعارضا له بالقول والفعل والعمل فهو بمثابة الراضي عنه والساكت عن ظلمه)، كان حقا على الله أن يدخله مدخله]، (اي لابد وان يكون في معرض العقوبة الالهية في الدنيا والاخرة).

فالله سبحانه وهو الخالق والمدبّر له الحكم في خلقه بتكليفهم ما يشاء من الامور وعليهم الامتثال لحكمه وأمره وهو القائل:

💠[وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ، فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ،لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا]. فلو شاء الله ان ينتصر من الظالم بفعله المباشر ومن دون الطلب من المؤمنين إقامة الحق لفعل ذلك بلحظة بصر او رمشة عين، فكل ما في الكون هو من خلقة وقائم بتدبيره، فلو شاء الله لم يُقتل الامام الحسين، ولم يُقتل امير المؤمنين، ولأنتصر الله لرسوله وانبيائه وحججه ولأهلك الكفار بأجمعهم، بل لو شاء لأهلك ابليس عند اول عصيانه واراح الناس منه فيدخل الناس كلهم الى الجنة!! ولكن الله سبحانه له سننه في خلقه والتي منها ان يمتحن الانسان في الدنيا ليتحدد مكانه ودرجته في الاخرة [وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ، فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ، إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا، فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ]. فمن يعيش هذا الوعي والادراك لحقيقة الدنيا ويستعد فيها لتحصيل للأخرة المطمئنة الامنة، فانه يجد في الحسين ع مدرسة ملهمة لأروع التضحيات واكبرها من اجل مرضاة الله واقامة دينه، فيكون الحسين له قدوة واسوة في كل مواقف كربلاء وتكون احاديثه كلمات تكتب على صفحات قلبه وعقله فلا ينساها او يغفل عنها فتكون كل ايامه عاشوراء وكل ارض كربلاء.


وللبحث تتمة

 

 

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com