تأملات في القضية الحسينية   20

 

كرامات الامام

    تقدم الحديث عن ضرورة الوعي والادراك للقضية الحسينية بمفهومها الاسلامي الذي تحدث به اهل البيت في رواياتهم الصحيحة لكي يكون لها دورها الايجابي الذي يحقق الاهداف الحسينية، فهذا الوعي هو الذي يحقق العبودية الصادقة لله تعالى والولاء الصحيح لأهل بيت النبوة، فيكون عاملا في تحرير الانسان من الاوهام والخرافات والاعتقادات السقيمة، وميزانا سليما للأشياء بمعايير دقيقة، فلا يدفعه حب اهل البيت للقبول بأي رواية او خبر من دون تحقيق وتمحيص، ولا قبول الاشياء المنسوبة اليهم او المروية عنهم من دون عرضها على العقل الذي جعله الله حجة داخلية للإنسان وميزانا لتقييم الامور حتى قيل: {الشرع عقل من الخارج، والعقل شرع من الداخل}.

     ومن المحال ان تكون اعمال حجج الله واوليائه مخالفة لسننه في الدنيا، ومن ذلك الحديث عن المعاجز والكرامات التي تنسب للائمة وخاصة في الاوساط الشعبية وعند العوام من الناس والذين يضيع عندهم التمييز بين الكرامات الصادرة عن الائمة وبين المتاجرة والدجل في ذلك، حيث يدخل في الموضوع الكثير من المبالغات والتفسيرات والتأويلات من دون تمييز لفعل الله او فعل الامام فينسبون ما يشاؤون للأمام ولكراماته ولا يتجرأ احد على التشكيك في ذلك او المناقشة فيه لأنه يتهم بضعف عقيدته في الائمة او انه خاضع لتأثير الوهابية او السلفية!

   فمما لا شك فيه ان للأنبياء والاولياء مكانة عند الله وان الله يجيب دعائهم ولكن ينبغي التمييز في ذلك بين عدة امور:

اولا: ان الفاعل هو الله سبحانه فلا يستطيع غيره مهما بلغت منزلته وقدرته على فعل شيء الا بأذن الله ومشيئته فما حدثت من معجزة او كرامة فالله هو مجريها بإرادته وقدرته.

ثانيا: ان لله سبحانه له سنن في الارض والتي قال عنها سبحانه: (سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا)، كما قال جل جلاله: (إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)، ثم قال: (وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا)، فكل شيء في الكون له قانونه الخاص ولكن الانسان يجهل ذلك، مع ان الله وصفه بدقة بقوله: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ، مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ، مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

ثالثا: ان المعاجز والكرامات هي حالة استثنائية مؤقتة لأثبات النبوة او منزلة اولياء الله وحججه وليست هي الحالة الدائمة التي يفعلها النبي او الولي في جميع حياته كلها، فالمعجزة الخارقة للعادة التي يأتي بها النبي عادة تكون اثباتا لنبوته او نصرة للدين كما حدث في عصا موسى ع، وفي شفاء المرضى واحياء الموتى والعلم بالأمور المخفية لعيسى ع، والمعجزات التي جاء بها رسول الله ص عند طلب الكافرين منه قلع الشجرة من جذورها ثم اعادتها الى مكانها، وعن خروجه من بيته في مكة مهاجرا للمدينة وسط حصار الكفار لبيته، وبقية المعجزات الاخرى التي اقامها للناس، فجميع هذه المعاجز كانت وقتية وليست دائمية، ولهذا كان على النبي التحمل للمعاناة في الدعوة الى الله، والمساهمة في الحرب ومعاناة الجراح فيها كما حدث لرسول الله في معركة احد، وتحمل معاناة الهجرة والأمها، فقد كان بإمكان الله ان يرسل لرسوله البراق فينقله للمدينة بلحظة واحدة، او يهلك الكفار في مكة والمنافقين في المدينة مباشرة فلا يعاني رسول الله هذه السنوات الطوال من اذى الكفار والمنافقين، ولو شاء الله لفعل ذلك مع امير المؤمنين فأهلك الناكثين والمارقين والخارجين عن الدين فلم يعاني منهم ومن اذاهم، ولو شاء الله لنصر الحسين ع واهلك يزيد وجنده اجمعين، ولو شاء الله لنصر جميع وانبيائه وحججه المصطفين على اعدائهم بالمعاجز والكرامات التي تجعل الناس ينصاعون لهم وينهي وجود الكافرين وأوليائهم من الشياطين في الارض، فلو شاء الله لما كان على الارض كافر ولا مشرك فهو على كل شيء قدير، ولكنه جل جلاله جعل الدنيا خاضعة للأسباب والمسببات لخصوصية الانسان في خلقه وجمعه بين العقل والغريزة ليتحدد في الاخرة موقعه في الجنة او النار بإرادته وانتخابه، فأبى الله ان تجري الامور في الدنيا الا بأسبابها من الابتلاء والاختبار، حتى لأنبيائه وحججه واوليائه.

رابعا: جعل الله في الدنيا ابوابا لرحمته وفيضه ومن ذلك الدعاء والتي توسعت الروايات في شرحه وخاصة عند موارد العبادة والطاعة والعمل الصالح، كما جعل اماكن لهبوط رحمته كالمسجد الحرام والمسجد النبوي ومراقد الانبياء والاولياء والاماكن الاخرى التي تناولتها الآيات والروايات، فلا عجب ان يجيب الله دعاء الداعين في هذه الاماكن او في غيرها من موارد الاجابة والتي عبر عنها بشروط استجابة الدعاء، فلابد من التمييز لسنن الله وارادته في خلقه فلا يقال عن كل ما يعمل للحسين انه قد تم بكرامة الحسين وان المعجزات قد حدثت في ذلك فهذا دليل على عدم الفهم لسنن الله ولا لكراماته.

وللحديث خاتمة

 

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com