تأملات في القضية الحسينية   19

 

التطرف في حب الحسين

   تقدم الحديث في ان حب الله ينبغي ان يكون اقوى من كل حب حتى من حب النبي واله الذين هم الادلاء على الله وحججه في خلقه والشفعاء اليه في الدنيا والاخرة والذين حبهم عبادة وفريضة لان حب الله الخالق والمنعم والمدبر والمحي والمميت يفرق عن حب خلقه، وهو ما بيّنه الامام الحسين ع في ذلك بقوله:

 [عَمِيَتْ عَينٌ لَا تَرَاكَ عَلَيها رَقيِبا، وخَسِـرَتْ صَفقَةُ عَبدٍ لَمْ تَجعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيباً]،

   فالتطرف في الحب او البغض يدل على عدم اتزان الشخصية في ميزانها النفسي والفكري، وفي مواقفها العملية التي تلي ذلك، والتي تنساق للتطرف والميل عن الاعتدال في التقييم للأمور وما يتبعه من مواقف عملية متطرفة، قد تنتهي في حالات البغض الى تشكيلات الخوارج سابقا وامتداداتها في الدواعش لاحقا، او قد تنتهي في حالات الحب الى تجمعات (مجانين الحسين) والمتمسكين بالقشور والبدع في الاحتفاء بذكرى الحسين،

   فالحسين ع لا يريد مجانين في حبه بل يريد عقلاء من الذين قال الله عنهم: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)، فأولوا العقول هم الذين يحيون نهضة الحسين ع ويحققون اهدافه التي استشهد من اجلها وليس من يقول: (حب الحسين اجنني)، او من يقول: (تبكيك عيني لا لأجل مثوبة....ولكن عيني لأجلك باكية)، فالحسين ليس شهيدا في قضية وطنية مأساوية، ولكنه شهيد القيم الدينية الالهية، والتي استوجب بها ان يكون ثأر الله من اعدائه الذين تجاوزوا حرماته فقتلوا اوليائه وحججه، وهو ما يستلزم العقل والوعي في التعامل مع القضية الحسينية ومع جميع اولياء الله وحججه،

    فالتطرف في المواقف والاعمال من السب والشتم لأعداء اهل البيت لا يدل على العقل والحكمة وقد نهى الله في كتابه عن ذلك بقوله: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وقد بين النبي واهل بيته سبل التعامل مع الضالين او المنخدعين بتزيينهم للباطل من خلال الحوار الهادف معهم الذي يوضح الحقائق ويكشف ظلمات القلوب كما اوضح امير المؤمنين ع حقيقة الخلاف مع اعدائه بقوله: [اللهم انك تعلم انه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك].

     فالعقل والحكمة يسهمان في تسديد الانسان في فكره ومواقفه، والتطرف والانفعال يسهمان في حرف الانسان عن الاتزان في الفكر والعمل، وما جماعة البذائة والإساءة من المتطرفين الشيعة والتي تتناول الرموز السنية بالسب والشتم بشقيها المتلبس بالزي الديني او المتلبس باللبس المدني، ما هم الا اداة يستغلها الاستكبار العالمي للإيقاع بين السنة والشيعة من حيث يعلمون او لا يعلمون لإعادة تقسيم المناطق الاسلامية واشغالها فيما لا ينفع من المعارك الجانبية التي تحرق الاخضر واليابس.

   ولذا يلزم شيعة اهل البيت ان تكون اعمالهم مبنية على العقل والوعي والفهم الصحيح لمكانة اهل البيت وعملهم ووصاياهم ولا يكونوا مع الخائضين والجاهلين في زيارتهم وفي احياء مناسباتهم فلا ينالون فيها ما يرجون من الثواب والاجر في حين يفوز المخلصون بأعلى الدرجات لنوعية اعمالهم واخلاصهم لله (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا)

وللحديث تتمة

 

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com