بحث في الرزق   5 

 

عن رسول الله (ص)  قال:

[ لَو أَنَّ ابنَ آدَمَ فَرَّ مِنْ رِزقِهِ كَمَا يَفِرُّ مِنَ المَوتِ لَأَدرَكَهُ كَمَا يُدرِكُهُ المَوتُ ].

   في هذا الحديث تأكيد لما مضى من ضمان الله لرزق الانسان المادي والمعنوي ما دام موجودا في ساحة الاختبار الالهي في عالم الدنيا، فان لله سبحانه سنن في الحياة الدنيا لا يستطيع احد تخطيها او القفز عليها، فلا يمكن للجنين ان يولد بعد يوم من تكونه، ولا يمكن للطفل ان يكون شابا يافعا او شيخا عجوزا بين يوم وليلة، لا لأن الله لا يستطيع فعل ذلك، فان الله على كل شيء قدير ولكنه سبحانه وهو الخالق والفاعل له سنن في الدنيا اوضحها سبحانه في كتابه بقوله:

(سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا)
(سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا)

   وهذه السنن تشمل كل شيء في الدنيا، بعضها قد بينها سبحانه من خلال ما اوضحه في كتابه من الآيات التي تتحدث عن هذه السنن صراحة في خلقه وقدرته وتدبيره، وبعظها الاخر بما اشتملت عليه من قصص الانبياء والاحداث التي جرت عليهم، وبعضها الاخر يجدها المتأمل في آيات الكتاب بدقة ووعي وحضور قلب، وقد اشتملت بعض احاديث انبيائه وحججه على بيان تلك السنن فيما مضى او فيما سيأتي من قادم الزمن والاحداث، وفي الآيات التالية نموذجا لتلك السنن التي تطرق اليها في كتابه بقوله جل وعلى:

(مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)
(وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)
(فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
(وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)
(قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ)
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
( فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)

   والآيات التي تتحدث عن سنن الله في الخلق كثيرة جدا في الكتاب تحتاج الى قلب واع ليبصرها وهو ما يمثل الفرق بين التلاوة الخاشعة والتلاوة التقليدية او (التجارية) التي تكون لكسب الثواب فحسب، فسنن الله في خلقه اقتضت ان يكون الرزق مصاحبا للإنسان في عمره الدنيوي الا ان هذه السنّة قد ارتبطت بجهد الانسان وسعيه كما تقدم الحديث عنه (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)،

      فالرزق مرتبط بالإنسان كظله لأنه مادة الحياة والتي بموجبها يكون التقييم الأخوي لاستحقاقه لجزائه الابدي في الخلود في جنات الفردوس والنعيم او الخلود في جحيم النيران والعذاب الدائم، وبذا يتضح ان سعة الرزق الدنيوي قد يصبح مصدر نعمة في الاخرة او مصدر عقوبة ونقمة، وكذلك هو الحال في مسألة التضيق في الرزق الدنيوي، فكلا الامرين يخضعان لنفس الموازين من الحقوق والواجبات وما يترتب عليهما من حساب وجزاء اخروي.


وللحديث تتمة

 

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com