القلوب الواعية 6

 

عن امير المؤمنين في تتمة حديثه مع كميل عن حملة العلم قال:

[ الا لَا ذَا وَلَا ذَاكَ ]
اي ان كلا الطرفين اللقن المستغل للدين لمنافعه الخاصة، او الفاقد للبصيرة في الدين ومقاصده، لا يستحقان ان يكونا من حملة الدين مهما تحدثا باسمه او تلبسا بمظهره ، ثم يضيف الامام ع في تتمة حديثه ان هناك صنف ثالث كذلك لا يصلح لأن يكون من حملة الدين والداعين اليه وهو الذي يغلب عليه حب الشهوات من النساء وجمع المال وزينة الدنيا وحب الزعامة والرئاسة مع سهولة التأثر بهذه المغريات والانقياد لها وتقديمها على امور الاخرة فيقول:

[أَوْ مَنهُوماً باللَّذَّة سَلِسَ القِيَادِ لِلشَّهْوَةِ (اي سهل الانقياد للشهوة)، أَوْ مُغرَماً بِالجَمْعِ وَالِادِّخَارِ] (اي يغلب عليه حب التملك للأشياء والاكثار منها سواء اكانت موضع الحاجة او لم تكن)
فهذا الصنف المنقاد للشهوات والماديات لا يستطيع الصمود والثبات على الدين ويسهل عليه بيع دينه بدنياه وايثار ما يحصل عليه من النفع العاجل من الشهوات والامتيازات الدنيوية على طاعة الله والامتثال لأمره فلا يمكن التعويل عليه مهما تلبس بالدين وتظاهر به، وبتعبير امير المؤمنين عنهم:

[لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي شيء، أَقرَبُ شيء شَبَهاً بِهِما الأَنعَامُ السَّائِمَةُ (اي هما اقرب شبها بالإنعام المنقادة لشهواتها)

[كَذَلِكَ يَمُوتُ العِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ]
فحينما يغلب على اهل العلم حب الدنيا والانشغال بامتيازاتها والتسابق على زينتها وشهواتها فان هذا يعني تحول العلم الى اداة للانتفاع منه دنيويا كما يعني ضياع المقاييس والقيم العلمية واضمحلال العلم وضموره وموت اهله وحامليه وبالتالي انتشار الجهل والخرافات التي تنسب للدين وازدهار الطقوس والتقاليد المنحرفة عن الدين والمنسوبة له، ويكثر المتاجرين بالدين الذي هو من صناعتهم ونسج افكارهم وتحريفاتهم للأصول الاولى للدين، مما يؤدي الى نشوء دين جديد محرّف باسم الدين القديم مما يسبب هجران اهل العقل والفكر لهذا الدين وضياعهم في المتاهات الفكرية والسياسية او الانعزال عن المجتمع الديني المنحرف والابتعاد عنه.
وقد حذر امير المؤمنين من اقبال اهل العلم على الدنيا في احاديث اخرى ومنها قوله ع :

[ الدينار داء الدين، والعالم طبيب الدين، فاذا رأيتم الطبيب يجر الداء الى نفسه فاتهموه واعلموا انه غير ناصح لغيره].

وهو معيار مهم في معرفة حقيقة دوفع المدعين للعلم وتميز المخلصين الصادقين منهم عن غيرهم، لان فساد العالِم هو فساد للعالَم بما يتركه فيه من اثار سيئة تحسب على الدين فكريا واجتماعيا، وقد ورد عن اهل البيت كثير من الاحاديث حول هذا الموضوع وخاصة فيما يتركه العالم السيء او المفتون بالدنيا وشهواتها من اثر على علاقة العبد بربه، كم يتضح في الحديث التالي :

[اوحى الله الى داوود (ع):
يا داود: لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدك عن طريق محبتي، فان اولئك قطاع طريق عبادي المريدين، ان ادنى ما انا صانع بهم ان انزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم].

ونسالكم الدعاء

وللحديث تتمة

 

 

 

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com