ابلغ المواعظ   13

 

عن امير المؤمنين ع في تعريف الدنيا قال:
 

[الدنيا تغرّ].
اي تخدع ساكنها بالامال والاماني التي تزين له امكانية تحقيقها غافلا عن اجله المحتوم والذي هو اسبق اليه من اي شيء اخر.
 

[وتضـرّ].
اي تضـر الانسان ان ادبرت عنه لما تسببه له من الالام والاحزان والمشاكل والاذى، وتضـره ان اقبلت عليه بزينتها وغرورها لما تسببه له من الاعراض عن الخيرات والعمل الصالح للاخرة بالاضافة الى تعبها وعنائها في الحالتين.
 

[وتمرّ].
اي تسبب المرارة والالم لكثرة المنغصات والمؤذيات وما يعرض في الدنيا من الحوادث والمصائب وتغيرات الزمان والتي تخرج عن ارادة الانسان واختياره.
 

[إن الله تعالى لم يرضها ثوابا لأوليائه].
فذرة من نعيم الجنة لا يضاهيه نعيم الدنيا باكملها نوعا وكما، فالسرور والنعيم في الدنيا محدود وزائل بكل ما فيه من زينة ومتاع الغرور، بينما يبقى نعيم الاخرة وما عده الله لعباده الصالحين من الرفاهية والسعادة يفوق الوصف والتعبير والذي لا يستطيع الانسان ان يتصوره وهو في عالم الدنيا حتى يصل الى عالم الاخرة ويعيش اجوائها واحوالها الاخروية ويشاهد حقائقها عن قرب، فيدرك عندئذ ما تعني الجنة وما السعادات المادية والمعنوية التي اعدها الله لعباده الصالحين جزاء لهم، وهو ما عبر عنه مضمون الحديث الشريف: (في الجنة مالا عين رأت عين ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)، وهو ما قال الله عنه في كتابه الكريم تقريبا لذهن السامع :
[زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ، قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ، لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ]
[ولا عقابا لأعدائه].


كما ان عقاب الاخرة لا يقارن بعقاب الدنيا الذي ينتهي بنهاية الدنيا، فعقاب الله في الاخرة اعظم واكبر وادوم لانه يمثل غضب الله وسخطه على من عصاه وتجاوز حدوده بعد اقامة الحجة عليه في الدنيا وهو جزء من عدله وحفظ لحقوق عباده ولذا يكون العقاب خالدا متجددا في جهنم او كما وصفه الله في كتابه :
[إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا] بالاضافة الى العذاب المعنوي والهم والغم والندم كما في قوله تعالى:
[كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ].

 

ثم يتم الامام كلامه فيقول:
 

[وإن أهل الدنيا كركب بينما هم حلول إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا].
وهو تشبيه جميل لاهل الدنيا في معيشتهم وعمرهـم الـذي يقضوه فيها حيث جعلهم كالمسافرين وقد نزلوا في احد اماكن الاستراحة لقضاء حوائجهم، فما ان انتهت الفترة القصيرة التي اعطيت لهم حتى صاح بهم السائق للرحيل والانتقال، فمدة العمر في الدنيا ليست بيد الانسان بل بيد من له زمام الامور كلها وهو الخالق العظيم الذي ليس كمثله شيء والذي اخبر عباده مسبقا عن احوال السفر ونهايته فقال سبحانه:
[ كلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِ ، وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ، وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ، وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ]
 

ثم يوضح ذلك في ايات اخرى في سورة الواقعة فيقول :
[ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ، وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ، فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ، تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ، وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ، فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ، وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ، إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ، فَسَـبِّحْ بِاسْمِ رَبِّـكَ الْعَظِيمِ].
وفي ذلك عبرة للمعتبرين وهدى للمهتدين.
ونسالكم الدعاء

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com